الرأي

الصندوق الأسود!

قادة بن عمار
  • 9233
  • 5

بين تاريخيّ 19 أوت المنصرم، والثاني من شهر سبتمبر الجاري، تغيّرت لهجة وتصريحات وزير النقل عمار غول بخصوص شركة الخطوط الجوية الجزائرية 180 درجة!

في يوم 19 أوت الماضي، ظهر عمار غول أمام الصحفيين واثقا من نفسه، مُطلِقا جملة اتهامات ضدّ من وصفهم “أطرافا داخلية ولوبيات خارجية” تتآمر من أجل تحطيم الجوية الجزائرية..

كان غول يتكلم وإلى جواره يقف المسؤول الأول عن الشركة، محمد الصالح بولطيف، هذا الأخير ظهر سعيدا بدفاع الوزير عنه، خصوصا أنه يحتاج هذا الدعم كثيرا، فقبل ساعات قليلة اتخذ بولطيف جملة من القرارات الإدارية العاصفة، أقال بموجبها مدير الأمن، ومدير مركز التحكم في العمليات، إضافة إلى مدير قسم الصيانة.. كلّ واحد من هؤلاء ليس مسؤولا هيّنا في شركته، والطبيعي أنه لن يرضخ لقرار الإقالة بهذا الشكل لولا دعم الوزير (ومن هم فوقه) للمدير؟ !

قال غول في ندوته الصحفية المذكورة: “جئت هنا لأعلمكم أن أطرافا داخلية تتآمر مع لوبيات دولية لتحطيم الجوية الجزائرية” مضيفا:”إنها حملة غير بريئة.. خصوصا أنها تتزامن مع اقتناء 16 طائرة جديدة، من نوع إيرباص، موازاة مع تكوين 200 طيار على أعلى مستوى في معاهد أكسفورد”..

طبعا، لم يذكر غول، كعادته وكعادة جميع المسؤولين الجزائريين ممن يتحدثون عن مؤامرات، اسما واحدا، لكنه أضاف جملة مهمة، يعتبرها البعض مربط الفرس و”مخّ الأزمة”.. قال:”إننا نعلم أهداف هذه الحملة.. وما الذي تريده الأطراف الداخلية المتواطئة، إنهم يضغطون من أجل فتح المجال الجوي”!

الوزير يعلم إذن، وحتى من قبل فتح تحقيق، أهداف هذه “الحملة المنظمة”؟ ومادام “معاليه” يعرف أهدافها فمن المؤكد أنه يعلم جيدا المستفيد منها؟!

يدرك غول وبولطيف، ومن قبلهما بوتفليقة، وجميع مراكز القرار، أن فتح باب المنافسة، سيعود بالخسارة الأكيدة على هذه الشركة التي يراها وزير النقل “في خدمة الشعب”..الشعب وحده !.. الخسارة متوقعة لأسباب كثيرة، يلمسها الجزائريون يوميا وفي مقدمتهم المغتربين، هؤلاء الذين”شتمهم” مسؤول عن الشركة بطريقة مباشرة، دون أن يحاسب، حين صرح يوما: “هذه شركة كل الجزائريين وليست شركة المغتربين وحدهم”؟!

لكن ما الذي دفع عمار غول لتغيير تصريحاته بعد أقل من أسبوعين؟..الوزير قال في افتتاح دورة البرلمان مؤخرا، وكأنه يتراجع عن “تأكيداته” السابقة:”صحيح أننا لن نسمح بتكسير الخطوط الجوية الجزائرية، لكن في الوقت ذاته، لا يمكننا السكوت عما يحدث بداخلها”.. أكثر من ذلك، هدد غول وتوعد قائلا:”لن نتسامح مع أيّ طرف كان، يثبت التحقيق أنه أخلّ بالتزاماته”..في هذه التصريحات، لم يتحدث الوزير لا عن مؤامرات، ولا عن لوبيات؟

بالمناسبة..لا يصدّق كثيرون ما قاله مدير الجوية الجزائرية لوكالة الأنباء الرسمية حين تحدث عن “ديناميكية كبيرة داخل الشركة باتت تزعج البعض”، ولا يصدقون كلامه عن “قدرتها على المنافسة”..و”تطوير خدماتها”..لكن التحقيق الذي وعد به غول، ولم يعلق عليه “بولطيف” مفضلا الحديث عن “إعادة تأهيل”، يثير الكثير من الشكوك حتى قبل بدايته..فقد تعودنا على أن السلطة وفي كل مرة أرادت فيها قتل ملف، شكّلت له لجنة تحقيق، وعلى الجهات الوصية، ولإثبات حسن النية، أن تجيب عن كل الأسئلة التي يطرحها الشارع في الوقت الراهن..أهمها: لماذا توظيف الجوية الجزائرية كل هذه الجيوش من العمال بدون فائدة وفوق طاقتها؟ لماذا تأجير طائرات قديمة بفواتير تكفي لتجديد الحظيرة؟ وماذا عن التحقيقات السابقة بخصوص تجاوزات التوظيف؟..وغيرها من الأسئلة، فهل يملكون الشجاعة لإظهار الصندوق الأسود أمام الشعب؟ ننتظر ونرى.

مقالات ذات صلة