-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الصيرفة الإسلامية.. كلُّنا معنيون

الصيرفة الإسلامية.. كلُّنا معنيون

ما كشف عنه، مؤخَّرا، مسؤولو البنوك العمومية بشأن حصاد الصيرفة الإسلامية في الجزائر بعد 3 سنوات فقط من اعتمادها هو أمرٌ مشجع للغاية، إذ يبرهن أن القطاع يشق طريقه نحو النمو التدريجي ضمن المنظومة المالية الجزائرية.

وبهذا الصدد، تؤكد تصريحاتٌ رسمية من البنك المركزي (إلى نهاية أوت 2022) عن تحصيل مدَّخرات بقيمة 50 ألف مليار (ما يقارب 4 مليارات دولار)، عبر كل البنوك والشبابيك المفتوحة وطنيا، فضلا عن تسجيل 600 ألف حساب بنكي ضمن صيغة المعاملات الشرعية، مثلما توجد 10 طلبات أخرى على طاولة الدراسة لاعتماد المزيد من النوافذ الإسلامية ببنوك عمومية وخاصة.

هذه المؤشرات تثبت أن السلطات العمومية نجحت هذه المرة، ولو نسبيّا ومرحليّا على الأقل، في استقطاب المواطنين لإدخال أموالهم إلى القنوات البنكية، وهو ما يساهم في امتصاص الكتلة النقدية بالسوق الموازية وينعش البنوك بموارد جديدة تفتح لها آفاقا أوسع في تحريك عجلة الاقتصاد وتمويل الاستثمارات، خاصة في ظل الرهانات الجديدة للحكومة بزيادة الإنتاج الوطني في كل القطاعات ورفع الصادرات خارج المحروقات، الأمر الذي يتطلب تعبئة مالية قويّة لتحصيل الموارد الكافية لتشجيع المبادرة الصناعية والفلاحية والخدماتية.

بالمقابل، تُثبت تلك المعطيات، للأسف الشديد، أنَّ بلادنا ضيّعت لسنوات طويلة فرصة ذهبية لدعم اقتصادها الوطني، بتأثير قرارات إيديولوجية خاطئة، أغلقت الأبواب أمام الصيرفة الإسلامية في الجزائر دون أي معايير موضوعية على علاقة بمنطق الاقتصاد والإدارة المالية، في وقت كانت شرائح واسعة من الجزائريين تعرب علنًا عن رفضها للانخراط في المعاملات التقليدية، لاعتبارات فقهيّة تخص الفوائد الربوية المحرمة بالإجماع، وهنا تفرض البراغماتية الاقتصادية مراعاة ثقافة الجميع ومعتقداتهم، بغضِّ النظر عن الموقف الخاص منها.

اليوم، وبتصحيح السلطات لخطأ سالفيها، ها هي الجزائر تحصد تدريجيّا النتائج الواعدة لتفعيل الصيرفة الإسلامية، في وقت يتوقع خبراء في الميدان أن تتجاوز عوائدها عتبة 20 مليار دولار في غضون ست سنوات، ولا شكّ أن المناخ الجديد للاستثمار ومكسب الاستقرار السياسي ببلادنا، فضلا عن الأجندة الاقتصادية التي فرضتها السلطة التنفيذية للمرحلة المقبلة، ستكون لها تأثيراتٌ فاعلة على الدفع أكثر بالقطاع نحو الأمام.

يبقى على الوصاية المالية المنوط بها تطوير القطاع المصرفي استكمال عملها على كافة المستويات الإدارية والتقنية والعلمية، برفع كل الشبهات الفقهية التي يثيرها البعض بحسن نية، أو لأهداف مشبوهة للتشويش على الخيار، وإن كان الأمر لا يتعلق في غالب الأحيان بحقيقة الأحكام الشرعية، بل بضعف التحسيس والتواصل مع الزبائن.

كما ينبغي التسريع في إطلاق الصكوك الإسلامية مثلما تعهدت به الحكومة خلال العام الجاري، وهو ما من شأنه أيضا تحريك بورصة الجزائر العاطلة، إضافة إلى ضرورة تنشيط قطاع التأمين التكافلي الإسلامي بعد البداية الأولية مؤخرا، بالترخيص لشركتين عموميتين، لأنّ الصيرفة الإسلامية تتفعّل في ظل بيئة متناغمة ومتكاملة من النشاطات المالية.

ولا يفوتنا توجيه النواب إلى استغلال فرصة مناقشة مشروع قانون النقد والقرض هذه الأيام لتعزيز موقع الصيرفة الإسلامية ضمن المنظومة البنكية الجزائرية باستدراك النقائص وتكريس المكتسبات.

ومن جهة أخرى، يتعين على البنوك الإسلامية التقدم أكثر نحو النشاط التمويلي الاستثماري على قاعدة المرابحة، عوض الاكتفاء بقروض الاستهلاك، باستهداف القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية ضمن برنامج الحكومة وحاجيات التنمية الوطنية.

كما يجب في حق الفاعلين من نخب علمية ودينية وإعلامية، التشجيع الاجتماعي على الانخراط الواسع في دعم الصيرفة الإسلامية، بالادخار الشرعي، تفعيلا لدورة المال حتى يكون في خدمة الأفراد المعنيين والصالح العامّ على السواء، فضلا عن المساهمة الجماعية في نجاح مستهدفات الحكومة الجزائرية المرجوة من وراء التجربة البنكية الإسلامية، من أجل توفير موارد مالية بديلة ومدعمة لتمويل الاقتصاد الوطني.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!