الرأي

“الضباب” أحسن من “النور”؟

لا أفهم لماذا يُطلق على العاصمة البريطانية لندن، لقب مدينة الضباب، ويُطلق على العاصمة الفرنسية باريس، لقب مدينة النور، بالرغم من أن هذه التسميات المادية، قد تسيء لهاته العاصمة، فتمنح لزائرها بعض التحفّظ بسبب “ضبابيتها”، وتُحسن لتلك وتفتح شهيته لزيارتها بـ”نورها الساطع”، ولا أفهم لماذا يحتفظ الجزائريون على وجه الخصوص بهاته الألقاب، فيضبّبون صورة عاصمة ربما استقبلتهم بالربيع، وينوّرون صورة عاصمة أخرى تستقبلهم بالعواصف والرعود، وتطفئ أنوارهم التي تشعّ في قلبوهم وعقولهم.

في لندن التي نسميها عاصمة الضباب، شهدت المدينة الكبيرة، أربعة أحداث بنكهة جزائرية في ظرف أسبوع، قدّمت الجزائر للعالم كمنارة تفوّق في مجالات مختلفة، ففي قلب الجامعة البريطانية التي يدرس فيها أكثر من ثلاثة ملايين طالب من كل بلاد العالم، اعتلت ابنة العاصمة “ماليا بوعطية” قمة الاتحاد العام للطلبة الجامعيين، وهي التي لم تلقط لها صورة إلا وتزيّنت بالوشاح الفلسطيني، ولم يلتقط لها صوت إلا وهي تنّدد بالكيان الصهيوني، وفي نفس المدينة وفي نفس الزمان، عاد مدرب المصارعة ابن عاصمة الأوراس سليم بوقفة، رفقة أبنائه الثلاثة متوجين جميعهم بذهبية البطولة العالمية في رياضة الملاكمة البرازيلية، ضمن مشروع كبير لتحضير أبطال لعبة الجيدو، لتحقيق الذهب في الألعاب الأولمبية، ولم تمر سوى ساعات حتى توّجت لندن وهي الأم الشرعية للعبة كرة القدم ابن تلمسان، رياض محرز، ملكا جديدا على عرش، لا يختلف بالنسبة للإنجليز عن العرش التي تجلس عليه الملكة إليزابيت، وسط شعب من لاعبي الكرة، الذين يمثلون أكبر بلاد المعمورة، ليُختتم الأسبوع باستقبال لندن لابنة قسنطينة، الروائية العالمية أحلام مستغانمي، ضيفة على عاصمة شكسبير في عاصمته التكريمية، فمنحها عمدة لندن الأوسمة، واحتفلت بها دار النشر البريطانية “بلومزييري” التي تشرفت بطبع ثلاثيتها، وهي الدار التي لا تطبع إلا لمن حصلوا على جوائز نوبل في الآداب أو اقتربوا، وجميعهم اتفقوا على أن يحملوا الجزائر في قلوبهم، وعلى ألسنتهم، فانقشع ضباب لندن، وبرز النور الجزائري الذي كدنا نفقد الأمل في بزوغه منذ أن تمسك “بعضنا” بنور مزيّف.

كل هذا النور بزغ في ظرف أسبوع في مدينة لا جالية جزائرية كبيرة فيها، ولا يكاد يتقن الجزائريون لغتها، بل لا ترتبط بالجزائر إلا برحلة جوية يتيمة تنطلق من مطار العاصمة، في الوقت الذي قضينا أكثر من نصف قرن، نقدم القرابين لمدينة باريس، التي نتسوق منها ونأخذ “موضات” تصفيف شعرنا منها، ونربط مطارها بكل مطارات الجزائر التي تسمى مجازا دولية، لأن باريس وجهتها،  “نطوف” و”نسعى” بين “صفة” باريس “ومرارتها” بحثا عن رضا مدينة، ربما هي فعلا عاصمة للنور، ولكن نارها تحرقنا كلما اقتربنا منها، أو يبيدنا، مثل الفراشات التي تحرقها النار.

سؤال يطرحه كثيرون ويتحرّجوا في الإجابة عنه، لماذا لا ينجح الجزائريون الذين يتمسكون بجزائريتهم في باريس؟

سؤال آخر مؤسف ومؤلم: لماذا لا ينجح الجزائريون في … الجزائر؟ 

مقالات ذات صلة