-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الضفادع البشرية وضباع السياسة

الضفادع البشرية وضباع السياسة

“ما حدث يوم 7 أكتوبر لم يأتِ من فراغ”.. هذه العبارة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال اجتماع مجلس الأمن كانت كفيلة بإثارة سخط ممثلي الاحتلال الإسرائيلي إلى درجة مطالبته بالاستقالة، رغم أنَّ موقفه كان عاديا مقارنة مع حجم الجرائم التي يقوم بها الصهاينة في غزة.

ونظرا لحجم التخاذل الذي ميّز بعض المواقف الرسمية العربية والإسلامية تجاه ما يحدث من إبادة بحق الفلسطينيين، ظهر موقف غوتيريش متقدما، لأنه في القاعة ذاتها كانت كلمة لممثلة دولة عربية وصفت عملية طوفان الأقصى بـ”الهجوم البربري الشنيع؟!”، مطالِبة بالإطلاق “الفوري وغير المشروط” لسراح “الرهائن” لحقن الدماء.

لكنَّ هذه المسؤولة العربية نسيت أن تقول في كلمتها إن دماء الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضا أبيحت رغم أنها لا توجد بها حماس والجهاد والصواريخ، كما نسيت المطالبة بتسليم سلاح المقاومة لنتنياهو وفتح القطاع أمامه لإقامة مستوطنات جديدة وتهجير أهله إلى مكان أنسب لهم من أرضهم، من أجل أن ترتاح هذه الأنظمة المطبِّعة من وجع رأس اسمه فلسطين وتتفرغ لتوطيد علاقاتها مع أصدقائها الجدد.

وليس من المبالغة القول أيضا إن الزلزال الذي سببه “طوفان الأقصى” للاحتلال كان وقعه بنفس الدرجة على أنظمة التطبيع العربية، التي روّجت لأوهام السلام مع كيان عنصري يسعى وراء خرافاته التوراتية ولديه هدف واحد هو إقامة دولة يهودية بحدود غير معلومة وتهويد المسجد الأقصى وآخر ما يفكر فيه هو وجود دولة تحفظ كرامة الفلسطينيين.

لكن الأهم في كل هذه القضية هو: ما مصير الوعود التي برروا بها إقامة علاقات مع تل أبيب على غرار صنع السلام والدفاع عن الحق الفلسطيني؟ وإذا لم تكن هذه المجازر كافية لتحريك الضمير الإنساني لدى هذه الأنظمة التي تناست قدسية القضية، فما الذي سيحرّكها؟

وبعد أسبوعين من مشاهد التقتيل والدمار لم تجرؤ هذه الأنظمة حتى على استدعاء سفرائها من الكيان أو طرد ممثليه رغم أن تل أبيب رفعت عنها الحرج باستدعاء دبلوماسييها خوفا عليهم من الشعوب، وهي وقائع كافية لتصوير هذه الأنظمة على أنها ضباعٌ تقتات من جثث الفلسطينيين الذين استفردت بهم آلة القتل الصهيونية، وسط دعم غربي صريح، إلى درجة أن الكيان أصبح يجد صعوبة في برمجة زيارات القادة الغربيين الذين يحجّون إليه يوميا لتقديم طقوس التضامن.

وكانت خطوة دولة كولومبيا من أمريكا الجنوبية كافية لكشف عورات المطبِّعين بعد أن طردت سفير الكيان لمجرد أنه انتقد تصريحا لرئيسها يندد بمجازر غزة، رغم أن هذا البلد ليس لديه روابط الانتماء والعقيدة مع فلسطين، لكن رابط الإنسانية حرّكه لنصرة الحق.

وكانت تصريحات وزير الخارجية أحمد عطاف أمام مجلس الأمن قد أجابت عن بعض هذه التساؤلات ومحاولة طمس الحقائق، بتأكيده أنه لا يمكن بناء سلام وتحقيق أمن في المنطقة على واقع عنوانه الإجرام والظلم والقهر، وأن الفلسطينيين اليوم وُضعوا أمام خيارين هما: إما الرضوخ والتخلي عن حقوقهم أو مواجهة الإبادة.

ولم يكن صعبا على الفلسطينيين حسم خيارهم منذ مدة وهو أنهم يرفضون الخضوع وسيقاومون من أجل كرامتهم وأرضهم ومقدساتهم، وهو عنوان معركة “طوفان الأقصى”، التي دُفعوا إليها دفعا بسبب انسداد آفاق الحل السياسي والصمت الدولي على حصار دام 17 سنة ومشاهد معاناة إخوانهم في الضفة والسجون وعربدة المستوطنين داخل باحات الأقصى.

ورغم آلة التقتيل والدمار الهمجية الصهيونية ضد المدنيين، أظهرت المقاومة أنها ثابتة على نهجها، وفي ذروة الشك بشأن جاهزيتها تسلل عناصرُها من الضفادع البشرية البحرية إلى داخل المستوطنات مجددا ووجهوا ضربة معنوية جديدة للاحتلال وصفتها وسائل إعلامه بأنها الأقوى منذ “السبت الأسود”، وهي رسالة مفادها أن الفلسطينيين على استعداد لدفع أي ثمن باستثناء الرضوخ والانسياق وراء أوهام “السلام” التي يُروِّج لها المثبِّطون والمطبِّعون، وأن ما أُخذ بالقوة لن يسترجع إلا بالقوة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!