الجزائر
انتقلت إلى تبسة وسيدي بلعباس وبجاية وسكيكدة

الطريقة “الورقلية” في مقاطعة الحفلات تمتد إلى الولايات

نادية سليماني
  • 15970
  • 64

طغت ظاهرة مقاطعة المهرجات الفنية، على الأحداث في الجزائر، وصنعت الحدث، فلا يمر يوم إلا ونسمع عن منع مواطنين تنظيم حفل موسيقي أو إقامة عرس صاخب، لتتطور الأمور حد الدخول في احتجاجات سلمية يومية ومتكررة عبر الولايات، يرفع أصحابها قائمة مطالب اجتماعية وتنموية. واللافت في الموضوع، إقامة صلاة جماعية بمكان الحفل الفني. فما التفسير الاجتماعي والنفسي للظاهرة؟
من ورقلة إلى تبسة وصولا إلى سيدي بلعباس وبجاية، والقائمة لا تزال مفتوحة مادام موسم الاصطياف مستمرا… جميع هذه المناطق عاشت موجة معارضة واحتجاجات على تنظيم حفلات غنائية، وانتهت برفع قائمة مطالب إلى السلطات المحلية، وصاحبَها جدل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، وصل درجة التراشق اللفظي والسب والشتم العلني.

منع غناء بتبسة وسيدي بلعباس وسكيكدة…

الظاهرة انطلقت من ولاية ورقلة، حيث اجتمع عشرات المواطنين مطالبين بإلغاء حفل فني كان يشارك فيه مطرب الراي كادير الجابوني ورضا سيتي 16، وبرّر المحتجون سلوكهم بأن ولايتهم تغرق في مشاكل تنمية وتعاني من نقائص عديدة، خاصة أن فصل الصيف جاء حارا جدا على الولاية، التي سجلت أكبر درجة حرارة في إفريقيا خلال ضيف 2018 تعدّت 50 درجة، في ظل غياب المرافق الضرورية، داعين إلى تحويل أموال المهرجانات الفنية إلى التنمية المحلية، وأقدم المحتجون على تأدية الصلاة بمكان الحفل.
وبعدها بأيام، فاجأ رئيس بلدية بجاية سكان الولاية بإعلانه إلغاء مهرجان الأغنية القبائلي، بحجة تحويل أمواله إلى مشاريع محلية، والأمر استنكره مواطنو بجاية، وبعد شدّ وجذب كبيرين تقرر تأجيل المهرجان بدل إلغائه.
ليمتد ما بات يعرف بـ “الظاهرة الورقلية” نسبة إلى مدينة ورقلة إلى الشارع البلعباسي، حيث نظم سكان ولاية سيدي بلعباس وقفة احتجاجية سلمية، لمعارضة تنظيم مهرجان الراي السنوي في طبعته الـ11، مطالبين بدورهم بتخصيص المال العام للتنمية المحلية عوض ما اعتبروه هدرا في أمور ثانوية ورأوا فيه “فنا هابطا بعيدا عن أغنية الراي الحقيقية والمميزة للمنطقة”، حسب تعبير بعض المحتجين. وتكررت مجددا بالولاية ظاهرة تأدية صلاة المغرب بمكان المهرجان جماعة.
الظاهرة امتدت لاحقا إلى ولاية تبسة ولو على نطاق ضيق، حيث تفاجأ أصحاب عرس بإقدام مجموعة من الشباب كانوا خارج المسجد، على اقتحام العرس وتوقيف الموسيقى. وبولاية سكيكدة استهجن السكان تنظيم حفلات غنائية، في فترة تزامنت مع استشهاد 7 جنود على أيدي إرهابيين بالمنطقة.
والظاهرة أثارت جدلا كبيرا ولغطا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فبين مرحب بالفكرة “حفاظا على المال العام في زمن التقشف”، ورافض لها تحت مبرر “عودة فكر التطرف والتشدد”، وفئة ثالثة غير مهتمة تاركة الحرية للفرد لاختيار ما يريد سماعه.
في وقت استغرب وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، الظاهرة معتبرا أن بعض المناطق عبر الوطن في حاجة إلى فعاليات ثقافية.

المختصة في علم النفس، مونيا دراحي:
الوعي الجماعي وراء انتشار المقاطعة

وفي الموضوع، فسّرت المختصة النفسانية مدربة التنمية البشرية، مونيا دراحي، ظاهرة معارضة المهرجانات الفنية وتكررها عبر الولايات، بأن المجتمع الجزائري في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي خاصة “فايسبوك”، امتلك “جماعيا” في ظل الضغوط النفسية والاجتماعية التي يعيشها يوميا بالمنزل والشارع ومكان العمل وبالإدارات… فتولد لديه ما وصفته بـ “الكبت والضغط الكبيرين، اللذين ينفجران لأدنى الأسباب وبأقل إثارة “.
كما فسرت تكرر الظاهرة عبر الولايات، فقالت لـ “الشروق”: “الوعي الجماعي السائد مؤخرا في مجتمعنا نتيجة التواصل اليومي مع الغير عبر الفايسبوك، يجعل ردود الفعل والنتائج متشابهة ومتكررة، وكأن الجزائريين صاروا جسدا واحدا لهم نفس الشخصية والاتجاه والتفكير”.
وما يؤجج مثل هذا الظواهر ويسهم في انتشارها حسب المختصة، هو خروج السلوك عن الحد المقبول، ويتحول إلى سب وشتم واستهزاء بمنطقة معينة من طرف البعض، فيجعل بقية الأفراد “يحاولون الثأر والانتقام للمنطقة، فيكررون نفس الظاهرة “.
ومن جهة أخرى، رأت المختصة في محاولة فرض بعض أنواع الفن الهابط وإدخالها إلى البيوت الجزائرية “غصبا عبر بعض البرامج التلفزيونية” ولّد كبتا نفسيا لدى الفرد، وجعله يقوم بردود فعل عند توفر الأسباب.
ودعت دراحي بعض رواد ” الفايسبوك” إلى رفع المستوى والترفع عن الكلام الجارح والاستهزاء، الذي يزيد من التوتر ويصعد الأمور أكثر.

المختص في علم الاجتماع، حسين آيت عيسي:
حفلات بالملايير في مناطق محرومة أثارت المحتجين

وبدوره، فسر المختص في علم الاجتماع، آيت عيسي حسين، أسباب ما وصفه بسلوك الرفض وإبداء الرأي الجديد، بأن له خلفية اقتصادية بحتة.
وحسب تعبيره “بعض المناطق تعاني الحرمان من ضروريات الحياة، وانتشار البطالة وأزمة السكن وانعدام الماء والكهرباء والتهيئة العمرانية، وفي المقابل تنظم بها حفلات فنية يتلقى مقابلها الفنان أموالا، مما يعتبرونه أموال الشعب”، وهو سبب مباشر بحسبه للاحتجاج، خاصة في ظل التقشف.
فيما فسر تناقل السلوك وتكرره عبر الولايات، بأن مشاكل الجزائريين متشابهة ومشتركة، وأضاف: “كثير من الشباب يبحثون على أساليب وأشكال تعبيرية جديدة، بعيدا عن قطع الطرق وحرق العجلات الذي تسبب في مشاكل أمنية واجتماعية، فوجدوا في سلوك رفض إقامة المهرجانات حلا سلميا ومسموعا، في ظل عصر الإنترنت وانتشار الأفكار بسرعة مذهلة.
كما يرى المختص أن نوعية الفنانين الحاضرين بالمهرجانات، تؤجج بدورها الاحتجاجات خاصة في المناطق المحافظة.

مقالات ذات صلة