-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الظلاميّون أعداءُ الحرية

الظلاميّون أعداءُ الحرية

توطينُ الصهاينة في قلب العالم العربي والإسلامي لم يكن خيارا عبثيا، وقد أكّد الواقع التاريخي أنّ الأمر يتعدّى تكفير الغرب عن ذنوبهم فيما فعلوه باليهود من تشريد وتمييز وتقتيل وتنكيل.

لقد اختاروا الحركة الصهيونية لتَحكُم هذه البقعة المقدّسة من العالم ولاتّخاذها رأس حربة لبسط نفوذهم على كل منطقة الشرق. ويؤكّد التاريخ أنْ لا مستقبل لأيّ سيطرة حضارية على العالم ما لم تتحكّم في مُقَدّرات الشرق الإسلامي خصوصا.

إنّ هذه الحقيقة هي التّرجمة العمليّة لما يُردّده الرئيس الأمريكي منذ مدّة بقوله (لو لم توجد إسرائيل لأوجدناها). والغرب بقيادة الولايات المتحدة اليوم لا يُخفي ذلك، بل يصرّح بوضوح وصفاقة أنّ إسرائيل هي قاعدتهم المتقدِّمة في الشرق.

إذا فهمنا أبعاد هذه الحقيقة، عَلِمنا يقينا أنّ الصّراع أكبر وأبعد من اغتصاب أرضٍ وتشريد أهلها، إنّها اعتداءٌ صارخ على الأمّتين العربية والإسلامية وعلى باقي شعوب العالم غير الغربي إجمالا.

ونظرا لذلك، لا يتردّد الغرب في الدّوْس على كل القيم والقوانين التي صمّوا بها آذاننا، وأذلّوا بها شعوبنا، وتأستذوا بها على البشرية ردحا طويلا من الزمن ليظهر بعد “طوفان الأقصى” زيفُهم ونفاقهم وطغيانهم واستبدادهم.

إنّ معركة الغرب بقيادة أمريكا وواجهة الصّهاينة لا علاقة لها إطلاقا بِردِّ فعل محتل غاصب على عمليةِ مقاومين سُرِقت أرضهم، ولكنها شرعنة للعدوان والاغتصاب والهيمنة والاستبداد الغربي على كل من يخالفه حضاريا وينافسه اقتصاديا وسياسيا.

إنّها رصاصة الرّحمة على كل التّراث القانوني الجائر، الذي خلّفته الحرب العالمية الثانية.

إنّ ردّ الفعل الغربي عقب “طوفان الأقصى” (07/10/2023) مُلفِتة للنّظر وتدعو للتّأمل، لأنّها أكثر من موقف مساندة وتعاطف، إنّه موقف يفسِّر أنّ مخطّطهم قد أُصيب في مقتل، ولذلك، تداعى الغرب بقادتهم وعتادهم نحو شرق المتوسط، وأصبح الكيان محجّة يومية لزعمائهم، فبادرت أمريكا إلى انتقال رئيسها إلى الكيان، وكذلك فعل رئيس حكومة بريطانيا، ثم الرئيس الفرنسي، والمستشار الألماني،  ومسؤولو الاتحاد الأوروبي وغيرهم. ومثل هذا التّحرك لم يقم به الغرب عقب أحداث نيويورك مثلا في 11 سبتمبر 2001، كما لم يفعل ذلك في بداية الصّراع الروسي الأوكراني.

إنّ الاندماج الكليّ للغرب في احتضان الكيان عسكريا، وسياسيا، وماليا، وإعلاميا، ودبلوماسيا، هو دليلٌ قاطع وقرينة إثبات غير قابلة لإثبات العكس على أنّ التّمكين للكيان الصهيوني وديمومة سلامة حارس مخططهم واستمرار سيطرتهم على مقدّرات بقية الدول في المنطقة والعالم أمرٌ يستدعي استباحة كل الوسائل، حتى لو اقتضى الأمر تجاوز كل القوانين والقيم التي وضعوها عقب الحرب العالمية الثانية واستعبدوا بها بقيّة الدول النّاشئة والشعوب حديثة العهد بالاستقلال.

إذاً، فالمعركة ليست بين فلسطين المغتصَبة وشعبها الضّحية ومناضليها المُحاصَرين والمُجَوَّعين والمُلاحَقين من الأقارب والأباعد على حد سواء، وبين الكيان الغاصب العنصري المتوحش، ولكنها في حقيقة الأمر بين أمّة وشعوب ودول بكل مقدّراتها، وبين سيطرة صهيونية كغطاء لحركة استعمارية حديثة لإفساد الأرض واستعباد الإنسان  بقيادة غربية لا ترى الحق إلّا لها، وتُبيح لنفسها وحدها فرض رؤيتها وقيمها وبرامجها بالقوة الغاشمة، وتستبيح من أجل تحقيق أهدافها القذرة كل الوسائل بداية من التحايل والكذب، إلى التدمير الشامل بما في ذلك الاعتداء على الحق في الوجود والحياة. وما السياسة المُتَّبَعة في منع الماء والدّواء، وتدمير المساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات والمنازل على ساكنيها من النّساء والأطفال، والقصف العشوائي للإبادة الجماعية إلّا دليلٌ ناطق كلَّ لحظة وساعة على القطاع الصّامد الصّابر.

لقد كشفت تصرفاتُ الغرب بقيادة أمريكا عقب 07 أكتوبر 2023 حقيقة المخطّط الغربي اتّجاه الشرق عموما، والأمّتين العربية والإسلامية خصوصا، ومن ذلك مثلا:

1 / التّأكيد الأعمى لعنجهية الصهاينة، وحمايتهم من المُلاحقة والمُحاسبة، واعتبارهم فوق القانون.

2 / الحماية الأمريكية والغربية غير المشروطة للكيان الصهيوني، وتلميع صورته كالترديد البليد والكاذب باعتباره “الديمقراطية الوحيدة في المنطقة”، وتزويده غير المحدود بالسلاح، والحماية الدبلوماسية، والرّعاية الإعلامية، وإيجاد المبرّر لجرائمه، وغضّ الطّرف عن تجاوزاته، بل ذهب بهم الأمر إلى ترديد ادّعاءاته الكاذبة من دون أيّ وازع من تثبُّتٍ أو تبيّن.

3 / عدم الاعتداد بالقواعد التي يفرضونها على بقية دول العالم كلّما تعلّق الأمر بالكيان الصهيوني، ومن ذلك منع حرية التعبير السّلمي وإسكات كل الأصوات الكاشفة للحقيقة وطمسِها وملاحقة كل من يقوم بذلك، واتّهام كل من له موقف مخالف بـ”معاداة السّامية” والتي اتّهموا بها مؤخّرا قادة وسياسيين ودبلوماسيين كما فعلوا مع وزير الخارجية الفرنسي الديغولي السابق دوفيلبان.

4 / بمقارنة بسيطة بين موقف أمريكا من الصّراع الأوكراني – الروسي وموقفها من الحرب في غزّة في مجلس الأمن، يتبيّن يقينا أنّ حق الفيتو هو تغطية قانونية للإجرام حتى ولو وصل الحد إلى الاستمرار في الإبادة الجماعية.

5 / أخيرا، إنّ “طوفان الأقصى” جرف كل قاذورات القانون الدولي والقانون الدّولي الإنساني ليعرّي المجتمع الدّولي من كل ما تدثّر به من زيف وشعارات كاذبة في الدّفاع عن الحرية والحق في الحياة.

وفي المُحصّلة، فإنّ معركة الغرب بقيادة أمريكا وواجهة الصّهاينة لا علاقة لها إطلاقا بِردِّ فعل محتل غاصب على عمليةِ مقاومين سُرِقت أرضهم، ولكنها شرعنة للعدوان والاغتصاب والهيمنة والاستبداد الغربي على كل من يخالفه حضاريا وينافسه اقتصاديا وسياسيا.

إنّها رصاصة الرّحمة على كل التّراث القانوني الجائر الذي خلّفته الحرب العالمية الثانية، وسيتأكّد ذلك في مصير الدّعوة التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا أمام محكمه العدل الدولية، إذ أنّ مصير هذه الدّعوة لن يتعدّى -في أحسن الأحوال- الإدانة ومن دون أن يترتب على ذلك أيّ أثر مادّي أو مالي على المعتدين والقتلة وداعميهم لأنّ أمريكا لن تقبل بأيّ حال معاقبة الصهاينة، ولذلك، ستعمل على إفراغ الحكم النهائي من محتواه، هذا إذا لم تعترض عليه كلّيا باستعمال حق الفيتو كسيف مسلّط على كل صاحب حق.

وبالمختصر المفيد، لقد برهن الغرب بقيادة أمريكا على أنّهم أحباب الظلام، أعداء للحياة أعداء للإنسانية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!