-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العدالة تنهي مرحلة ‘التميز والمفاضلة’ وتسقط الحماية عن كبار المسؤولين

الشروق أونلاين
  • 1708
  • 0
العدالة تنهي مرحلة ‘التميز والمفاضلة’ وتسقط الحماية عن كبار المسؤولين

قد يمكن للبعض إعتبار رفض محكمة جنايات البليدة، الخروج عن نتائج التحقيقات حول فضيحة الخليفة، المختزلة في مضمون قرار الإحالة والإلتزام بحرفيته، بمثابة “السلبية” التي تكشف “الخطوط الحمراء” التي تحاصر المحاكمة، لكن لا يمكن لأحد أن يُخفي بأيّ غربال، حقيقة مفادها بأنه لأول مرة وفي سابقة هي الأولى من نوعها، أن تتجاوز الجزائر مرحلة التعتيم وإخفاء الحقائق، في تعامل المؤسسات الدستورية مع “الطابوهات” والملفات التي ظلّت إلى وقت غير بعيد مصنفة ضمن أرشيف “سرّي للغاية”.أثبتت المحاكمة التاريخية، المتواصلة منذ الثامن جانفي الماضي، بمحكمة جنايات البليدة، أن “عقلية” الدولة أو السلطة، قد تغيرت بعد ما ظلت، سابقا، تتطوّر من السيّء إلى الأسوإ، وتعرف صعودا متواصلا نحو الأسفل، ولعلّ تداعيات “فضيحة القرن”، كشفت بأن كبار المسؤولين، من‮ ‬وزراء‮ ‬ومديري‮ ‬المؤسسات‮ ‬العمومية،‮ ‬وغيرهم،‮ ‬لم‮ ‬يصبحوا‮ ‬في‮ ‬مأمن‮ ‬من‮ ‬التحقيقات‮ ‬الأمنية‮ ‬والتحريات‮ ‬القضائية،‮ ‬بعد‮ ‬ما‮ ‬كانت‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬سابق‮ ‬الدولة‮ ‬في‮ ‬خدمتهم‮ ‬وتحت‮ ‬أمرهم‮ ‬وتصرّفهم‮.‬

لقد أكدت عملية التحقيق في فضيحة الخليفة، والآن المحاكمة العلنية والمكشوفة أمام الجميع، بأن العدالة الجزائرية تشهد حاليا تطورا لا يمكن إخفاءه، وذلك نتيجة للإصلاحات والتفتح وإعتماد الشفافية والوضوح، في معالجة القضايا القضائية، بعيدا عن ثقافة “التمييز والمفاضلة‮”‬،‮ ‬التي‮ ‬قسّمت‮ ‬الجزائر،‮ ‬خلال‮ ‬مرحلة‮ ‬ماضية،‮ ‬إلى‮ ‬جزائريين‮ ‬يخضعون‮ ‬للقانون‮ ‬وجزائريين‮ ‬آخرين‮ ‬يخضع‮ ‬لهم‮ ‬القانون‮ ‬طولا‮ ‬وعرضا،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن‮ ‬إستجوابهم‮ ‬أو‮ ‬سؤالهم‮: ‬من‮ ‬أين‮ ‬لك‮ ‬هذا؟‮!.‬

تواصلت محاكمة القرن، على مدار أربعين يوما، ليكتشف المواطنون من “الغلابى والزوالية”، بأن الوزير والمدير والمسؤول الكبير، أصبح هو الآخر معرّضا للتحقيق و”البهدلة” والإمتثال لقوة القانون بدل قانون القوة، وقد وقف “الوزراء الشهود” أمام المحكمة كغيرهم من صغار الشهود والمتهمين، وكان لجرّ أسماء 15 وزيرا، ورئيسي حكومة، منهم من تقلد منصبه سابقا، ومنهم من هو في الخدمة حاليا، إما كشهود إستمعت إليهم العدالة، وإما أنهم وردت أساميهم ضمن إعترافات المتهمين وشهادات الشهود، كان ذلك، حسب ما تسجله أوساط مراقبة، بمثابة “التصحيح” الذي‮ ‬أسقط‮ ‬عن‮ ‬مؤسسات‮ ‬الجمهورية،‮ ‬شبهة‮ “‬حماية‮ ‬وتأمين‮” ‬المسؤولين‮ ‬بإسم‮ ‬السلطة‮ ‬والنفوذ،‮ ‬والإكتفاء‮ ‬بـ‮”‬مسح‮ ‬الموس‮” ‬في‮ ‬المغفلين‮ ‬الذين‮ ‬لا‮ ‬يحميهم‮ ‬القانون‮!.‬

لا يمكن الآن بعد أكثر من شهر، عن إنطلاق أول محاكمة من نوعها في تاريخ الجزائر المستقلة، أن تستمر مهمة صناعة الإدعاءات الكاذبة والأباطيل غير المؤسسة في حق العدالة الجزائرية، التي إلتزمت بحيادها وإستقلاليتها، ولم تتحرّج أو تنزعج من إستجواب مسؤولين كبار حول قضية الخليفة، ظلوا “بُعبع” يحيي ويميت في نظر البسطاء، وقد سارعت السلطة القضائية إلى إستدعاء وزراء ومديرين وأبناء وأصدقاء لمسؤولين كان يكفي ذكر إسمهم أو منصبهم ليتغير كل شيء تلقائيا وتشرق الشمس من الغرب!.

مثول وزراء يمارسون مهامهم حاليا، أمام هيئة المحكمة، وورود أسماء مسؤولين آخرين، خلال عملية التحقيق، ثم المحاكمة، لم يكن من باب التزييف أو المخادعة أو النصب والإحتيال الذي مارسه ببراعة الهارب عبد المومن خليفة، لكن ذلك، كان مؤشرا عن النقلة النوعية التي تعرفها الجزائر في المجال القضائي، وتحديدا فيما يخصّ محاربة الفساد، وكان لذكر بعض الأسماء الثقيلة والنافذة والمسؤولة، حتى وإن كانت ليست متورطة أو متهمة، سابقة أخرى في مسار المحاكمات بالجزائر، التي بقت لفترة طويلة حبيسة لمنطق “السرية”، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسّادة‮ ‬المسؤولين‮ ‬وأصحاب‮ ‬المعالي‮!.‬

ومع غياب الهارب رفيق عبد المومن خليفة، عن المحاكمة، أراد هو شخصيا، ومعه بعض الأطراف “الصديقة” أو “المتعاطفة”، أن يسوّقوا لأكذوبة مفادها، بأن “التحقيق القضائي أقصى بعض الأشخاص والمسؤولين”(..)، في محاولة لضرب مصداقية وسمعة العدالة، غير أن “تزاحم” الأسماء الوزارية والحكومية والرسمية، في طابور التحقيقات وأثناء المحاكمة، يفند مثل هذه المزاعم والإفتراءات، ويؤكد بأن ما يجري بمحكمة جنايات البليدة، هو حقيقة جديدة وواقع، لا مجال فيهما للتمثيل والخيال، مثلما يريد البعض أن يصوّره للرأي العام، على أساس أنه “مسرحية” أو “فيلم‮” ‬سينتهي‮ ‬بإلتقاط‮ ‬صور‮ ‬تذكارية‮ ‬تخلده‮ ‬للأجيال‮!.‬

ستنتهي دون شكّ المحاكمة قريبا، مثلما بدأت، لكن النهاية ستكون بداية لتأسيس مرحلة جديدة، سيقرؤها مستقبلا أرشيف العدالة الجزائرية، التي نجحت في “نقل الرعب إلى الطرف الآخر”، وتمكنت من المساواة بين المسؤول والمواطن، في مجال القضاء والتقاضي، مثلما يضمنه الدستور.‮ ‬

ج‮/ ‬لعلامي: djamellalaami@ech-chorouk.com

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!