-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العربية.. لغة  قاومت الاحتلال وتأبى الزوال

محمد بوالروايح
  • 2220
  • 0
العربية.. لغة  قاومت الاحتلال وتأبى الزوال

يرجع بعض العرب عجزهم الحضاري إلى لغة الضاد فيتهمونها بأنها لغة الشعر التي لا يمكنها مواكبة التطور والحقيقة أن المشكلة ليست في الحرف العربي وإنما في العقل العربي والدليل على ذلك أن الحضارة الإسلامية التي نقلها الغرب عن العرب قد نشأت في أحضان الحرف العربي واستطاعت أن تعبر الأقطار والأمصار وأن تصل إلى حيث تغرب الشمس في العين الحمئة، وزاحمت اللغة العربية لغات البيئات التي حلت بها ففي أجزاء كثيرة من بلاد العجم أثر يدل على أن العربية كان لها وجود ونفوذ في هذه البيئات، فكيف يعقل بعد كل هذا أن تتهم العربية بالعجز والقصور عن مواكبة التطور فهل اليابانية المغمورة أفضل من العربية التي غزت المعمورة؟. إن المشكلة في العقل العربي وليست في الحرف العربي فعندما يستفيق هذا العقل من سباته سيدرك  أن الحرف العربي بريء من إخفاقاته الحضارية التي هي من صنع أيدينا .

يحل اليوم العالمي للغة العربية وقد زهد فيها أهلها وهجروها إلى لغات شكسبير وموليير وتحوّلت من لغة كونية إلى لغة محلية، يضيق أفقها وتنتقص من أطرافها مع تعاقب الليل والنهار إلى أن غدت من سقط المتاع في أعين شانئيها الذين شروها بثمن بخس وكانوا فيها من الزاهدين.

إن الحرف العربي حرف متولد متجدد، يستطيع الارتحال من زمن أبي العتاهية إلى زمن المتنبي لا يعجزه زمان ولا مكان، فالحرف الذي احتضن الوحي لا  يمكن أن تؤثر فيه عاديات الزمن أو تعجزه تضاريس الأرض، إنه يستوعب خيال الشاعر وفتوحات الناثر ويملك القدرة على التجدد في زمن الحضارة تماما كما كان في زمن ما قبل الحضارة.إن سر هذا التجدد في الحرف العربي يدركه كل من تضلع من العربية وسبر أغوارها وعرف طبيعتها وعلى من ينكر هذه الحقيقة أن يعود إلى كب فقه اللغة التي تعدد من فضائل لغة الضاد ما لا يتسع له هذا المقال فحسبها أنها قد تربعت على عرش اللغات لقرون طويلة قبل أن ينفرط عقدها بتفريط أهلها الذين استبدلوا بها كل نطيحة ومتردية.

يحل اليوم العالمي للغة الضاد وقد لبست الحداد حزنا على ضياع مجدها الذي صنعه السلف وضيعه الخلف، فلولا حرص بعض الغيورين عليها لأصبحت في خبر كان ولانتهت إلى غياهب النسيان، فمعاول الهدم التي اجتمعت عليها من ” لاكوست” إلى اليوم لا تعد ولا تحصى لولا لطف من المولى الذي حفظها بحفظ كتابه “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.

يحل اليوم العالمي للغة الضاد وهي تسترجع أنفاسها بعد محاولات إجهاض كثيرة تعرضت لها من أهلها ومن غير أهلها، من أهلها الذين استخف الغرب بعقولهم وقذف في نفوسهم روح الانهزامية فطلقوا العربية وتعلقوا بلغات أعجمية لا تملك من عوامل الثراء معشار ما تملكه اللغة العربية، وليس هذا من قبيل التعصب الأعمى بل هي الحقيقة التي يقررها فقهاء اللغة كما فصل ذلك الشيخ “صبحي الصالح” رحمه الله في روائعه الأدبية عن أسرار البلاغة العربية.

يحل اليوم العالمي للغة الضاد وقد احتدمت المعركة بين أتباعها وبين خصومها، معركة تغذيها من جانب أتباعها غريزة الحب السرمدية التي يكنها هؤلاء للغة القرآن، وتغذيها من جانب خصومها روح الانتقام من القرآن الذي اقترن اسمه باسمها في قوله تعالى: “إنا أنزلناه بلسان عربي مبين”.

يحل اليوم العالمي للغة الضاد وشيء يحز في نفسي وفي نفس كل غيور على لغة الضاد، كيف يجتهد أحفاد “لاكوست” في تعليم وتعلم العربية من أجل تقويض ما تبقى من عوامل القوة في هذه الأمة، وكيف يجتهد بعض بني جلدتنا من السلبيين والمسلوبين في طمس معالم العربية والترويج بأنها غنيمة حرب وعنوان للتطرف ومرادفة للتخلف.

يحل اليوم العالمي للغة الضاد وفي القلب آهات كثيرة وحسرات عميقة على جيل يباهي بالتحدث بلغة شكسبير وما علم هذا العي الجاهل وهذا المسكين أن لغة شكسبير مدينة للغة الضاد فقد استرقت منها كثيرا من مفرداتها وضمتها إلى قاموسها وهذه حقيقة يشهد بها بعض اللغويين واللسانيين الغربيين ممن لا يمنعهم تعصبهم للغتهم من الاعتراف بهذه الحقيقة، فقد قرأت في البوابة الالكترونية لجريدة “الوفد” مقالا قيما لمحمود زاهر بعنوان:” العربية أم اللغات.. آلاف الكلمات التي يتحدث بها العالم أصلها عربي”.

وفي هذا الصدد تشير التقديرات-كما جاء في المقال- إلى وجود قرابة عشرة آلاف كلمة إنجليزية مشتقة من اللغة العربية، فيما تشير تقديرات أخرى أن العدد لا يتجاوز ألف كلمة، طبقاً لطبيعة الاشتقاق”.لا يهمني حجم الكلمات والمفردات التي اقتبستها الإنجليزية من اللغة العربية بقدر ما تهمني الحقيقة التاريخية التي يجمع عليها فقهاء اللغة وهي أن العربية هي أم اللغات وأنها على الأرجح بالنظر إلى سعة مفرداتها ط اللغة التي حملت أسماء الأشياء التي علمها الله آدم عليه السلام كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: “وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقالوا أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم”. إن غنى اللغة العربية في جانب المفردات والمترادفات يجعل لغة عصية على أن تنافسها أو تضاهيها لغة أخرى والدليل على ذلك أن المترجمين وجدوا صعوبة كبيرة في ترجمة المفردات القرآنية بسبب عامل الغنى المفرداتي الذي تنفرد به اللغة العربية أمام اللغات الأخرى.

يجل اليوم العالمي للغة الضاد وفي نفسي ألم وأمل، ألم من غارة منظمة يشنها خصوم العربية عليها يعينهم على ذلك بعض بني جلدتنا ممن عشعش الفكر الغربي في عقولهم وسلبهم شخصيتهم وسلخهم عن تراثهم، فتحولوا إلى أبواق لهم ينشرون ضلالاتهم ويروّجون سفاهاتهم في المجتمع العربي، وأمل في أن هناك بقية باقية من الغيورين على لغة الضاد من أحفاد ابن باديس، الذي نذر قلمه لخدمتها وسار على خطاه رفيق دربه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله ويسير على هذا الدرب رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المعاصرة من أمثال الشيخ عبد الرزاق قسوم وعمار طالبي والكوكبة الطويلة من قادة الجمعية وقاعدتها في ربوع الوطن المفدى.

يحل اليوم العالمي للغة الضاد وقد تضاعف أنصارها وتضاعفت جهود الغيورين عليها الذين يصلون ليلهم بنهارهم لصد كل الهجمات التي تستهدفها والتي تتغذى من الفكر الاستعماري الذي ورثه أحفاد لاكوكست ولا فيجري.

يجل اليوم العالمي للغة الضاد وقد استعادت مجدها التليد في وطن يسعى عقلاؤه وحكماؤه ممن تفطنوا للعبة الاستعمار للتمسك بلغتهم لأنهم يدركون بأنه لا كرامة لشعب يهجر لغته ويتنكر للسانه، فاليابانيون الذين بلغوا من التقدم العلمي شأوا بعيدا لم يهجروا لغتهم رغم أنها لا تمثل شيئا في ميزان اللغات العالمية، وهكذا ينبغي أن يكون ولاؤنا للغتنا فاليابانيون ليسوا احسن منا في ثقافة الولاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!