الرأي
رحلة مع ذي القرنين

العقل المبدع كنز مشترك

أبو جرة سلطاني
  • 358
  • 0

القوم الذين كانوا لا يكادون يفقهون قولا؛ جاءهم ذو القرنيْن بقول سديد ورأي رشيد وفكرة مبدعة. ولم يجلب معه حديدا ولا نحاسا ولا قوالب جاهزة ولا نيرانا ولا صخورا.. ولم يستورد من هذه الخامات شيئا من خارج أرضهم. ولم يستعن بعدوّهم في صغيرة ولا في كبيرة. ولم ينصب لهم ديوانا. ولم يقيم له مصانع لتصنيع كتل الإسمنت المسلّح والخرسانة الجاهزة.. ولم يجلب معه جيشا ولا شرطة ولا عمالة.. وإنما قدّم فكرة وبلور مشروعا ولفت نظرهم إلى الخيرات المبعثرة فوق أرضهم وإلى الطّاقات المعطّلة في عقولهم وفي سواعدهم، وقبل ذلك في تصوّرهم لصناعة الحياة. ولفت انتباههم إلى القوّة البشريّة المُهْدرة بكثرة حديثهم وقلّة عملهم وبجهلهم بما بين أيديهم من قدرات وخيرات و”مواد أوليّة” مبعثرة أمام أعينهم. ولكنّهم لم يبصروها بسبب كثرة خوضهم في أسواق الكلام الكاسدة بضائعها.

لقد أيقظ فيهم روح الفعل العامل فتوارت أشباح الفعل الخامل وتحرّروا من خوفهم فسقطت الحواجز بوجود قيّادة واعيّة، فانتفضوا ضدّ جهلهم وضدّ تخلّفهم وضدّ هوانهم على يأجوج ومأجوج برؤية ما صنع ذو القرنيْن معهم بفقه الحياة وبغير مال ولا خراج.

كان إنجازه العظيم جمع كلمتهم على فكرة واحدة هي الأولويّة العاجلة. ودعتهم إلى التّعاون جميعا للوقوف في وجه عدوّ خارجي يتهدّد أمنهم: ((قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ)) (الكهف: 95- 96).. نقلهم من القول إلى الفعل، ومن الجدل إلى العمل، ومن الاتّكال على “العمالة الوافدة” والفكر الوافد واليد الأجيرة إلى الرّهان على القدرات الذّاتيّة وعلى ما بين اليدين من وسائل.

هذا هو الدّرس الرّابع الذي يتوجّب على ذوي الطّاقات المعطّلة إدراكه وفقهه والعمل به بيقين أنّ الأمم لا تنهض إلاّ بسواعد أبنائها. ولا تمنع عن نفسها العدوان إلاّ إذا استنهضت هممها ووحّدت صفها وحدّدت مقصدها وتعاونت على صناعة جبهة داخليّة ضدّ أي عدوان خارجي.

مقالات ذات صلة