-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العقيد محمد الطاهر عبد السلام.. مهندس إعلان الدولة الفلسطينية من الجزائر

بشير فريك
  • 1543
  • 0
العقيد محمد الطاهر عبد السلام.. مهندس إعلان الدولة الفلسطينية من الجزائر

مرت منذ أيام الذكرى الخامسة والثلاثون لإعلان القائد الرمز ياسر عرفات (أبو عمار) باسم الله وباسم الشعب الفلسطيني ونيابة عن المجلس الوطني للثورة الفلسطينية ومن قصر الأمم بنادي الصنوبر في الجزائر، قيامَ الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، حدث ذلك في 15 نوفمبر 1988.
لقد كان الحدث وما زال تاريخيا في مسيرة المقاومة ضد الاحتلال العنصري الصهيوني، فمن خطط وهندس لعقد المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر في تلك الظروف التي أعقبت أحداث الخامس من أكتوبر 1988؟ وما دور الجزائر في هذه الخطوة التاريخية على درب المسيرة الفلسطينية البطولية والشاقة؟ وكيف كانت الجزائر قبل ذلك المساند والمآزر لفلسطين ثورة وشعبا ومقاومة امتدادا للأدوار التاريخية التي قامت بها منذ القرون الوسطى أيام صلاح الدين الأيوبي ومساهمة سيدي بومدين شعيب الغوثي في الحروب الصليبيين مرورا بثورة الحسيني في 1936 ضد الانجليز إذ شارك فيها قائد انتفاضة الأوراس عمر بن موسى واستشهد على أسوار القدس .
وما هي الظروف السياسية الدولية والإقليمية التي فرضت إعلان الدولة الفلسطينية؟ وقبلها كيف وقفت الجزائر إلى جانب الشعب الفلسطيني بالمال والسلاح والتدريب والنصح والتوجيه؟

شجرة الزيتون مفتاح الأجوبة
تابعت الندوة المنظمة يوم الخامس عشر نوفمبر 2023 بمقر جريدة “المجاهد” بالتنسيق مع جمعية مشعل الشهيد الرائدة في أحياء المآثر الثورية الوطنية وكان الحضور مميزا، إلا أن ما استوقفني هو مبادرة تخصيص المجاهد عقيد المخابرات الجزائرية المتقاعد الحاج محمد الطاهر عبد السلام بهدية رمزية من السفير الفلسطيني تتمثل في شجرة الزيتون من نابلس ملتمسا منه غرسها في الأوراس، منوِّها بما قدمه للثورة الفلسطينية في لبنان وسوريا والأردن، وكيف كان الوسيط المؤتمن مع القيادة الجزائرية في كثير من المحطات الهامة وعبر مراحل حساسة من المقاومة، مع الإشارة هنا إلى أن المعني كرّمه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون بمناسبة عيد الاستقلال في الخامس من جويلية الماضي.

 دأب على حضور المؤتمرات القومية بلبنان في إطار “جبهة الصمود والتصدي” باسم جبهة التحرير الوطني، وكان قد تعرّف على كل القيادات الفلسطينية (ياسر عرفات، أبو إياد، أبو جهاد… وكانوا ا يعدّونه واحدا منهم، إذ أن أبو إياد هو من أوجد له مسكنا في بيروت. وبعد أحد عشر شهرا عاد إلى الجزائر ليكلف بالحركات التحررية بما في ذلك المقاومة الفلسطينية بعد حصوله على جواز سفر دبلوماسي للتكفل بهذه المهمة.

في ضوء ذلك، قمت بزيارة الحاج محمد الطاهر عبد السلام في داره لمعرفة حقيقة الأدوار التي أدّتها الجزائر من خلاله ومن خلال غيره من القيادات السياسية والعسكرية في أعلى المستويات بالدولة الجزائرية لصالح المقاومة الفلسطينية بأغلب فصائلها المسلحة المتمركزة في دول الطوق الفلسطيني (الأردن، لبنان، سوريا).
ودام اللقاء أكثر من ثلاث ساعات، تشعب فيها الحديث إلى محطات عدة من نضاله أثناء الثورة وبعدها وعند تكليفه في جهاز المخابرات بالحركات التحررية وفي مقدمتها الثورة الفلسطينية، وقد اختزلت الموضوع في محطات أساسية نتوقف عند أهمها.

المولد والدراسة والنضال والجهاد
الحاج محمد الطاهر عبد السلام من مواليد سيدي عقبة في 1935 وهو أصيل تكّوت من عرش بني بوسليمان بعمق الأوراس. حفظ القرآن وارتحل إلى تبسة من أجل الدراسة وهو في عمر الحادي عشر، حيث التحق مباشرة بمدرسة العربي بموجب اختبار تقييمي، انخرط خلال ذلك بالكشافة الإسلامية وهي المدرسة التحضيرية للحركة الوطنية لينخرط في حركة انتصار الحريات الديموقراطية (M TLD)في 1951 وكان ذلك بمثابة التجنيد مبدئيا .
في 16 سبتمبر 1954 اتصل به مبعوث باجي مختار إبراهيم هوام من سوق أهراس، ومن دون تردُّد اقتنع بفكرة الثورة ليلتحق بسوق أهراس ويتعرف خفية على باجي مختار بموجب كلمة سر ويواضب على اللقاءات معه عند أحد الحلاقين، وكانت كلمة السر بينهما (الله ومحمد) وكُلف بشراء الأحذية العسكرية والتجنيد في تبسة. وكان آخر لقاء بينهما يوم28 أكتوبر 1954.

  بعد خمسة عشرا يوما من القصف قام أتباع وليد جنبلاط بتهريبه إلى سوريا وهناك اتصل به جورج حبش زعيم الجبهة الشعبية الذي طلب بدوره السلاح، وهنا أشار عليه الضابط الجزائري بأن يرسل معه إلى الجزائر ممثل عنه لطرح قضية السلاح على القيادة الجزائرية واستقبله الرئيس الشاذلي ووافق على طلباته إذ أرسل أربع طائرات محمَّلة بالأسلحة وأخرى محمَّلة بلباس الميدان ورافق سي محمد الطاهر الطائرتين العسكريتين عبر ليبيا السودان السعودية فدمشق.

بتاريخ 19نوفمبر وأثر كميل نصبه العدو استشهد باجي مختار ومعه أربعة مجاهدين والقي القبض على أربعة عشر مجاهدا واضطر محمد الطاهر لمغادرة سوق أهراس حتى لا يعرف الفرنسيون أمره.
إلا أنه القي عليه القبض وسجن في ديسمبر 1954 إلى غاية 1958 إذ أطلق سراحه مع الإقامة الجبرية ليواصل النضال، وألقي عليه القبض مرة أخرى في نهاية ديسمبر 1961 إلى غاية الاستقلال.

من الحزب والمليشيات إلى المخابرات
بعد الاستقلال التحق بحزب جبهة التحرير الوطني باعتباره كان مناضلا سياسيا أثناء الثورة ليتم تحويله إلى العاصمة اثر توجيهه رسالة حادة للرئيس بن بله يطالبه بتصفية الحزب من المندسين، ومن العاصمة قاد فوجا من الشباب إلى القاهرة للتكوين في المخابرات كأول جهاز مخابرات سياسية تابع للرئاسة في وقت ابن بلة، ليجد نفسه ضمن جهاز المليشيات التي أسسها هذا الأخير وأسند قيادتها للمجاهد محمود قنز بمعية جمال قنان الذي أنهى مساره كاتبا ومؤرخا.
كُلف بمتابعة تمرد “الافافاس” وتم اعتقال العديد من مناضليه .وبعد انقلاب 19 جوان 1965 تم حل المخابرات السياسية التابعة للرئاسة.
وفي21 جوان زاره فرحات زرهوني وهو من الأمن العسكري وعرض عليه الانضمام إلى الأمن العسكري (المخابرات) إلا انه رفض لعدم اقتناعه ورفضه للانقلاب، وفكر في تنظيم مقاومة سلمية ضد الانقلاب وذهب إلى مصر لجلب إذاعة متنقلة، إلا أن الجانب المصري لم يمكّنه من ذلك.
ظل على تواصل مع قيادة المخابرات وانضم رسميا للأمن العسكري في جانفي1969 برتبة ملازم أول اثر محاولة اغتيال بومدين في 1968 ويلتحق بالأمن الداخلي في جانفي 1974 ليعين نائبا للملحق العسكري بسفارتنا في ليبيا، وهناك نسج علاقات وطيدة مع الفصائل الفلسطينية، وكانت كل الفصائل متواجدة هناك أمام التسهيلات التي قدمها القذافي لها.

حصار بيروت وتقديم السلاح والمال
من ليبيا عُيِّن سي الحاج محمد الطاهر عبد السلام في نفس المنصب بلبنان (نائب الملحق العسكري) في ديسمبر 1980، ودأب على حضور المؤتمرات القومية في إطار “جبهة الصمود والتصدي” باسم جبهة التحرير الوطني، وكان قد تعرّف على كل القيادات الفلسطينية (ياسر عرفات، أبو إياد، أبو جهاد… وكانوا ا يعدّونه واحدا منهم، إذ أن أبو إياد هو من أوجد له مسكنا في بيروت. وبعد أحد عشر شهرا عاد إلى الجزائر ليكلف بالحركات التحررية بما في ذلك المقاومة الفلسطينية بعد حصوله على جواز سفر دبلوماسي للتكفل بهذه المهمة، وهنا وقع اعتداء على مخيم الفاكهاني من طرف إسرائيل وتم قتل عديد المدنيين والمسلحين، فكان الأول الذي دخل المخيم وحده للإطلاع على الأوضاع وتقديم التقرير واقترح الدعم والمساعدة.
قبل اجتياح بيروت من طرف الصهاينة تعرضت المدينة إلى قصف مركز ليجد نفسه محاصَرا بعد أن استقبله نايف حواتمة إثر تعذر لقائه مع عرفات قبل بداية العدوان بساعة ونصف إذ طلب السلاح من الجزائر، وبعد خمسة عشرا يوما من القصف قام أتباع وليد جنبلاط بتهريبه إلى سوريا وهناك اتصل به جورج حبش زعيم الجبهة الشعبية الذي طلب بدوره السلاح، وهنا أشار عليه الضابط الجزائري بأن يرسل معه إلى الجزائر ممثل عنه لطرح قضية السلاح على القيادة الجزائرية واستقبله الرئيس الشاذلي ووافق على طلباته إذ أرسل أربع طائرات محمَّلة بالأسلحة وأخرى محمَّلة بلباس الميدان ورافق سي محمد الطاهر الطائرتين العسكريتين عبر ليبيا السودان السعودية فدمشق.
وفي هذه الأثناء، أي صيف 1982، كان عرفات محاصَرا في بيروت لمدة ثلاثة أشهر وتم التوصل إلى اتفاق إخراج المقاومة من لبنان عبر باخرة، وتوجهت قيادة الثورة إلى تونس باعتبارها بلدا معتدلا في عهد بورقيبة، في حين توجَّه المقاتلون بعائلاتهم إلى الجزائر واليمن.
واصلت الجزائر دعمها للثورة الفلسطينية بالمال والسلاح والدعم السياسي والديبلوماسي، وتولى (صاحبنا) إعداد آلاف جوازات السفر وتوزيعها على القيادات الفلسطينية، إلا أنّه اشترط عليهم عدم القيام بأعمال فدائية لمن يحمل جواز سفر جزائري، كذلك عدم اللجوء إلى تزوير الجوازات باسم الدولة الجزائرية حفاظا على مكانة بلادنا في المحافل الدولية .

رأب الصدع الفلسطيني بالجزائر في 1987
عندما بدأ التفكير في التواصل مع العدو الصهيوني من أجل إمكانية التوصّل إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية والتي تبناها ياسر عرفات وكثير من القيادات مثل نايف حواتمة وغيره، في هذه الأثناء كانت هناك فصائل راديكالية رافضة لأي حوار وتواصل مع العدو الإسرائيلي وتطوّرت الأمور إلى مواجهة في بعض الأحيان تغذيها بعض الأنظمة العربية مثل سوريا والعراق وبعض التيارات اللبنانية مثل حركة “أمل” الشيعية التي وُلد حزب الله من رحمها فيما بعد .

 قام أبو عمار بزيارة الجزائر واتجه سي محمد الطاهر إلى دمشق وبعودته التقى الاثنان بمطار هواري بومدين، واختلى عرفات بالحاج محمد الطاهر هامسا في أذنه “لقد نجحنا.. لقد نجحنا”، فالرئيس قال لي “المؤتمر يُعقد بالجزائر وبنادي الصنوبر وبتمويل جزائري ومن لا يعجبه الأمر يخرج من البلاد.

كان على الجزائر أن تتحرك بقوة لرأب الصدع بين الفصائل المتناحرة في المخيمات وذلك بتقسيم المهام بين سي محمد الطاهر عبد السلام الذي تولى الاتصال بالفصائل المتمركزة في لبنان والمرحوم محمد الشريف مساعدية بالقيادات المتواجدة في دمشق بسوريا. وبالفعل نجحت المساعي الجزائرية لجمع مختلف الفصائل في لقاء للمصالحة الوطنية الفلسطينية في سنة 1987 بالجزائر العاصمة وكان الغائب الوحيد هو أحمد جبريل الذي أرسل ممثلا عنه ثم سحبه.
كان الرئيس الشاذلي رحمه الله يتابع الأشغال وطلب من مساعدية إعلامهم بعدم مغادرة الجزائر إلا بعد أن يتّفقوا. وفعلا يمكن القول إن مبادرة الجزائر حقنت دماء الثورة الفلسطينية لتوجه جهودها للعدو الوحيد وهو إسرائيل.

هكذا تم الإعلان عن الدولة الفلسطينية بالجزائر
كانت الثورة الفلسطينية تمر بمرحلة عصيبة، إذ منعت دول الطوق أي نشاط ثوري ضد إسرائيل انطلاقا من أراضيها خاصة بعد إخراج المقاومة من الأردن اثر مجازر أيلول الأسود 1970 على يد الملك حسين، ولم تجد المقاومة إلا لبنان لاحتضانها، إلا أن ذلك انتهى كما رأينا باجتياح بيروت ومحاصرتها ثم إخراج المقاومة منها قيادة ومقاتلين سنة 1982.
من هنا تشكلت عند عرفات فكرة البحث عن إمكانية إيجاد ملجأ داخل فلسطين يواصل من خلاله النضال السياسي أمام انسداد آفاق العمل المسلح عبر الحدود. ولكن ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال إنشاء كيان فلسطيني قادر على التفاوض وفق مقتنيات الأعراف والتقاليد الدولية..
في خضمّ ذلك بادر الملك حسين ملك الأردن بإعلان فك الارتباط بالضفة الغربية، وفي الحال طار سي محمد الطاهر إلى الأردن حيث التقى عرفات مستفسرا إياه عما ينوي القيام به على ضوء فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية؟ فأجابه بأنه يريد عقد اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني، ولكن أين ومن يتولى التمويل؟
اتصل (صاحبنا) بمدير المخابرات الجزائرية لكحل عياط حول الموضوع إلا أنّه أحاله إلى العربي بلخير، الرجل المحوري في النظام الجزائري آنذاك، والذي اقترح تولي عرفات طرح الأمر مباشرة على الرئيس الشاذلي، لأن أوضاع البلاد هشة ماليا بعد تهاوي أسعار المحروقات في 1986 ومتأزمة سياسيا اثر أحداث 5 أكتوبر 1988.
ومن وحي الحس السياسي الذكي أشار سي محمد الطاهر على عرفات بطلب الرئيس الشاذلي إعطاءه أي مكان في أية قرية بالأوراس، يعقد فيه مؤتمر المجلس الوطني وتتولى القيادة الفلسطينية تمويل المؤتمر .
مباشرة اتصل عرفات بمدير ديوان رئاسة الجمهورية العربي بلخير (الو سي العربي أريد طائرة لزيارة الجزائر)، وكانت طائرة خاصة تابعة لرئاسة الجمهورية دائما تحت تصرف عرفات .
قام أبو عمار بزيارة الجزائر واتجه سي محمد الطاهر إلى دمشق وبعودته التقى الاثنان بمطار هواري بومدين، واختلى عرفات بالحاج محمد الطاهر هامسا في أذنه “لقد نجحنا.. لقد نجحنا”، فالرئيس قال لي “المؤتمر يُعقد بالجزائر وبنادي الصنوبر وبتمويل جزائري ومن لا يعجبه الأمر يخرج من البلاد.
بذلك يُعقد المجلس الوطني للثورة الفلسطينية بالجزائر ويعلن على لسان أبو عمار عن قيام الدولة الفلسطينية من أرض الجهاد والشهداء ويسجل المجاهد سي محمد الطاهر عبد السلام اسمه واسم الجزائر في سجل الخلود لكفاح ونضال الشعب الفلسطيني.
فتحية تقدير واعتزاز لأبطال الجزائر شهداء ومجاهدين ولثوار فلسطين الذين كانوا ومازوا على الدرب سائرين حيث النصر آت آت بعون من الله وبتضحيات جحافل الشهداء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!