العمالة للخارج!
-
-
4191
-
2
الأنظمة العربية تُحرّم التمويل الأجنبي على عدد من الجمعيات وممثلي المجتمع المدني، وفقا لقاعدة “حلال عليّ، حرام عليكم”، وإلا كيف يمكننا تفسير أن معظم تلك الأنظمة، باعت الغالي والرخيص، للخارج، ورهنت القرار الوطني، وصادرت السيادة منذ زمان، وارتضت الحكم في ظل ربع الاستقلال أو نصفه، لكنها تثور وتغضب وتقيم الدنيا ولا تقعدها بحجة أن جمعية ما أو تنظيما معينا، تسلّم أموالا من الخارج؟!
لا أحد يحبّ العمالة للأجنبي، ونحن هنا لا نبرّر أخطاء البعض بتعميم الجريمة على الكل، لكن في الوقت ذاته، لماذا تنتفخ الأنظمة العربية شرفا ووطنية عند حديثها عن علاقة المعارضة بالخارج، وكأنها لا تقبل المعونات من الأجنبي، ولا تبيع في مقابل ذلك السيادة الوطنية والقرار السياسي والثروات المحلية، ودورها هنا أخطر ممّن هم خارج السلطة ومواقع المسؤولية، في الوقت الذي لا تبيع فيه المعارضة سوى المواقف، وفي أشد الظروف، تقايض المال بالأخبار السياسية وبيانات الضغط.
الموالاة للخارج، باتت سلعة تتنافس عليها النظم الحاكمة مع نخب المعارضة، إلا من رحم ربك، وهم في سوق النخاسة الدولية سواء، فإذا كان النظام يبيع سيادته لروسيا، تتجه المعارضة صوب أمريكا، والعكس صحيح.
ضاعت القرارات الوطنية داخل السلطة وخارجها، وبات الشعب غريبا وسط حكام مستوردين من الخارج، ومعارضين يبحثون عن دعم هذا الخارج، حيث لم يعد النظام السياسي يؤمن بأنه سيخرج من رحم الشعب في يوم ما، كما لا تجتهد المعارضة في فهم المواطنين، لكنهم جميعا يبحثون عن الطريق السهل، ويمهدون بذلك إلى استعمار جديد، في الوقت الذي خابت فيه ظنون الثورات العربية، فهي تبحث عن التغيير المنشود منذ عقود، لكنها لا تحب دفع فواتير الدم والمال، فترضى بالطريق السهل، المتمثل في الاستعانة بالأجنبي، لكنه طريق سهل البدايات، وعِر التضاريس، مأساوي المسار ومخيّب في النهايات.
على الشعب السوري الثائر أن لا يراهن كثيرا على دعم العرب، ولا تحرّك أمريكا أو تدخل فرنسا، كما أن الشعب البحريني لا يجب عليه ربط الآمال كلها على المساندة الإيرانية، في الوقت الذي أخطأ فيه الثوار في ليبيا بالأمس القريب، حين ربطوا مصيرهم بالناتو، لأن كل الثورات عبر التاريخ، تحافظ على نظافتها من التدخل الأجنبي حرصا على ما هو آت، فكم من مستعمر خبيث، اخترق الحصن الوطني بحجة الدفاع عن حريات الشعوب وكرامتها، لكنه في نهاية المطاف، يتحول إلى استبداد جديد وطغيان آخر، ودكتاتورية أشدّ ظلما ومكرا.
