-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
التغافر عند الجزائريين

العيد.. من زيارة الأهل والأقارب إلى اتصالات عبر الفايبر والسكايب

الشروق أونلاين
  • 10667
  • 0
العيد.. من زيارة الأهل والأقارب إلى اتصالات عبر الفايبر والسكايب

منذ آدم وحواء وبداية البشرية، احتاج الإنسان لأخيه ليتعارفوا ويتحابوا في إطار علاقات إنسانية سامية، فيزورون بعضهم ويصلون ويصلهم، ويتذكرون ذويهم في الأعياد والمناسبات، ناهيك عن عيد الفطر المبارك فيسرعون ويتهاتفون لعناق أحبائهم بعد صلاة العيد مباشرة، في أجواء ملؤها البهجة والفرحة، ولكن مع ظهور موجة الحداثة والإلكترونيات والإنترنيت مع مواقع الاتصال الاجتماعي، اندثر كل هذا وأصبحت تهاني العيد مجرد رسالة على “الفايسبوك” أو مكالمة على “الفايبر”، حتى أصبحنا في زمن يقاطع الابن ذويه.

التكنولوجيا الحديثة تحل محل العناق واللقاءات الحميمة

وبدأت رائحة مختلف الحلويات الجزائرية تعبق في بيوت الجزائريين وما جاورها، يستعدون لتوديع شهر كامل من الصيام والعبادة والغفران، ليحل عيد الفطر المبارك، تتذكر فيه أمة محمد العدو قبل الصديق، راسمين سمة التسامح في قلوبهم لترفع من ميزان حسناتهم ولتعم الرحمة والتآلف والأخوة بين المسلمين، هو عيد يفرح فيه كل واحد لملاقاة أخيه ولتكون له المبادرة في الصفح أولا، فتفتح الأيادي للحضن، ويسود العناق وترسم الفرحة على الوجوه، وبعد صلاة العيد تبدأ الزيارات بفتح قلوبهم أولا قبل بابهم للقريب والبعيد، غير أنه ومع مرور الوقت وظهور مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت هذه العادات الأصيلة في الاندثار، متأثرين بالتطور الذي شمل جميع المجالات والميادين، ولتذهب، ويحل محلها “الفايسبوك” و”تويتر” و”السكايب” وصولا إلى “الفايبر” و”الوات ساب” دون نسيان الهواتف النقالة وهذا ما أكدته لنا الحاجة عائشة التي التقيناها جالسة في محطة الترامواي، فحدثتنا بتحسر كبير على أيام البساطة لما كان الأهل والأقارب يسارعون إلى زيارة ذويهم، حاملين معهم ما لذ وطاب من الحلويات التقليدية ليجتمعوا حول مائدة واحدة، متبادلين فيها أطراف الحديث، مستحضرين شهر الصيام، آملين في عودته عليهم باليمن والبركات.

أما سامية 26 سنة، فتقول أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون نعمة، لكنها قد تكون نقمة في نفس الوقت، لأن الناس والشباب على وجه الخصوص يجدون فيها ملاذا يبعدهم عن الزيارة والتقصي عن أحوال الأهل والأحباب، وتتابع القول أنه ليس كل الناس يستطيعون التحكم بسهولة في مختلف هذه الوسائل الحديثة وذلك بسبب الاختلاف الموجود بين أفراد المجتمع في محتوى قدراتهم ومستوياتهم الذهنية والتعليمية.

في حين يقول سعيد 22 سنة، أنها وسيلة سهلة للتواصل الأسهل والأسرع بين الأصدقاء والأحباب، ومتداولة بين أطراف الشباب، خاصة في ديار الغربة الذين لا حول لهم ولا قوة للوصول إلى ذويهم، وأنا واحد من هؤلاء، فكثيرا ما استخدم “السكايب” للإتصال بعمي المتواجد في الولايات المتحدة الأمريكية، لأني من جهة لا أستطيع زيارته، ومن جهة أخرى حتى الاتصال به مكلف جدا، ناهيك أن هذه الوسائل يمكن اعتبارها همزة وصل قد تخلق علاقات جديدة وتجعل من المنعزل اجتماعيا، فاتحا صدره لكل طارق لبابه.

حفنة دنانير تقتصد زيارة قريب

وما إن تسلل الهاتف النقال إلى بيوت الجزائريين حتى أدخلهم في دوامة الاتصال، وأخذ حيزا من حياتهم وقلب الموازين رأسا على عقب، ليحدث ثورة وفجوة في العلاقات بين الأفراد وصاروا يفضلونه على كل ما هو لقاء وتعاطف وتعانق،لتحل الكارثة في الأخير ويستغنون عن الاتصال بالهاتف، بل ويذهبون إلى حد التعامل مع ذويهم عبر رسائل نصية بخمسة دنانير تكفي للتعبير عن فرحة العيد والتمني عيدا سعيدا للأهل والأحباب، وفي هذا يقول عمي عبد القادر 56 سنة والذي التقيناه أمام محطة القطار في حسين داي أنه يرفض وبشدة التعبير عن مشاعر الناس بـ sms، لأنه لا يضاهي آداب زيارة نصل بها أرحامنا وذلك نزولا عند رغبة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، ولما جاء في كتاب الله عز وجل، وفي هذا استحضر لنا عمي عبد القادر ما حدث له مع ابن أخته والذي منذ أن اشترى هاتفا نقالا وهو مداوم على تهنئته في العيد بـsms، ومع انه عبر له مرارا عن غضبه واستيائه من ذلك إلا انه يواضب على ذلك بقوله “هذا أمر عادي”.

وفي نفس الإطار، لا تستثني الرسائل الالكترونية في المعايدة بين الأهل والأصدقاء، خاصة أنها ترسل مجانا، وهذا ما أكده جمال 24 سنة، حيث يقول أنه لا يكاد يلتقي بصديقه وجها لوجه ولا يتحدث إليه إلا عبر “الفايسبوك”، ويفاجئه في الأعياد والمناسبات ببعث رسالة تهان عبر “الإيمايل”، وكأن صداقتهما تتلخص في مجرد رسالة مجانية، بل والأغرب من هذا -يضيف جمال- أنه حتى حين يتصل به فغالبا ما يكون ذلك عبر “الفايبر”، وأغلب الظن على حد قوله أن ذلك ربما يكون بهدف تفادي صرف بعض الدنانير على صديقه العزيز.

شيئا فشيئا نحو القطيعة

وها هي التكنولوجيا تخلف آثارها السلبية، فبعد ما كانت نعمة، أصبحت نقمة على العلاقات الإنسانية، في وقت كان الأحرى بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية ومختلف محتويات التطور الإلكتروني أن تكون همزة وصل بين الأقارب، فأصبحت اليوم تساهم في التباعد والقطيعة في النهاية، وفي هذا يقول محمد 40 سنة والذي التقيناه جالسا في أحد المطاعم برويسو أنه كان دائم الذهاب إلى أخته في العيد، لكنه في أحد الأعياد قام بالتحدث إليها عبر الهاتف، لذلك لم يذهب إليها في العيد وهو ما استغربته أخته، فقررت عدم الذهاب إليه أيضا، بل تفاقم الأمر أكثر حتى وصل إلى عدم دعوة بعضهم البعض في الأعراس والمناسبات العائلية.. إلى ذلك، يقول علي 27 سنة، أنه غالبا ما ينتج صدام عائلي من جراء عدم زيارة الأهل في الأعياد وأنا خير مثال على ذلك، حيث أن قريبي كان يزورنا باستمرار برفقة أبيه، لكن مؤخرا أصبحنا لا نراه أبدا وذلك وببساطة، لأن والده أصبح لا يأتي، وهو ما أدى به إلى مهاتفتي فقط على “الفايبر” رغم أن بيتنا لا يبعد سوى بعض الأمتار عن منزله، وعلى إثر ذلك اتخذت قرارا بمعاملته بالمثل رغم أن في ذلك قطع للأرحام، لكن ما باليد حيلة.

موسى كاف أستاذ في علم الاجتماع “وسائل التواصل الاجتماعي أثرت سلبيا على المجتمع”

ونظرا لأن الظاهرة تفاقمت بشكل كبير في مجتمعنا، قرررنا التقرب من موسى كاف وهو أستاذ في علم الاجتماع بجامعة تيزي وزو، حيث يقول أنه في عصر الاشتراكية  كان الناس يتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم، والرابطة الاجتماعية كانت قوية جدا آنذاك، ولكن في بداية التسعينات ومع تغير هذه الأنظمة تغيرت المجتمعات وذهبت إلى مرحلة أخرى، ومع مرور الوقت أصبحت السلوكيات تتغير، وحتى تلك الزيارات تلاشت وتأثرت كثيرا بالظروف الاجتماعية التي أصبحت تتحكم في سلوك الإنسان وتركت الناس تتبنى سلوكا جديدا عن طريق التواصل غبر مختلف التكنولوجيات الحديثة مثل “الفايسبوك” والهاتف و”الفايبر” إلى غيرها مع الأهل في الأعياد، وهذا أسلوب وسلوك جديد، حيث أن المجتمع فقد العلاقة الاجتماعية التي كانت سائدة قديما، فزيارة الأقارب واجبة، وعلامة قوة المجتمعات هي الزيارات، والتي لها عدة نتائج إيجابية على المجتمع وأساس بنائه، وإن تضاءلت يؤدي ذلك إلى تشتت المجتمع، ووسائل التواصل الاجتماعي أثرت سلبيا على المجتمع، حيث أصبح كل فرد يعيش لنفسه فقط، وبالتالي فالعولمة أثرت على القيم وقدمت لنا عادات جديدة لم تكن من قبل على الرغم من أن العيد هو فرصة لتوحيد كل الناس والتواصل معهم، ومستحيل لمواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية تعويض العلاقات الاجتماعية بين الأفراد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • rahim

    saha aidkom alors lol

  • إبراهيم

    تحية خاصة وخالصة للسيدة حلزونة ، وكل عيد وأنت بألف خير .
    " راني بعثتلك المعايدة عبر الشروق " .