العيد موعدنا مع “ضيق الخاطر”!
أيام قليلة وينقضي الشهر الفضيل، وتنقضي معه اللحظات الغالية التي تبسط يديها للتائبين والراجين رحمة الله، وتنقضي ساعات الطمأنينة والسكينة التي ترفرف على الصائمين، ليحل عيد الفطر الذي يفترض أن يكون موعدا للابتهاج والسرور، غير أنه يضرب للكثير من النساء موعدا مع اكتئاب طارئ لا يتبدد إلا بعد أيام لتعود الحياة إلى طبيعتها مترنحة بين السعادة والتعاسة والفرح والحزن.
ورغم أن أسباب هذا الشعور الحزين عديدة ومختلفة، إلا أن السبب الرئيس الذي تشترك فيه معظم النساء، هو افتقاد الجانب الروحي للصيام الذي يجعلهن في علاقة وطيدة مع الله ووفاق مع النفس التي جبلت على حب الخير، ليشكل عيد الفطر نقطة تراجع للقربات والعبادات، وتستعيد النفس الأمّارة بالسوء أنفاسها بعد شهر رمضان.
وحول هذا الموضوع تقول السيدة وسيلة، ربة بيت، إنها تشعر بحزن شديد ينتابها عشية العيد، حيث تفتقد طعم رمضان مع اقتراب آذان المغرب وصلاة العشاء التي تذكرها بصلاة التراويح التي تؤديها يوميا في المسجد، وغالبا ما يستمر لديها هذا الشعور إلى الأيام الأولى من العيد، وفي محاولة منها لاستعادة الأجواء الرمضانية، تصوم الأيام الستة من شوال وتكون خلالها حريصة على القيام بنفس العبادات والعادات التي كانت تؤديها في شهر الصيام، مما يمتص لديها مشاعر الحزن إلى أن تتعود على الوضع الجديد.
وعن اللحظات العصيبة التي تعيشها في العيد، تقول أميمة وهي تستذكر رمضان العام الماضي الذي تابت فيها توبة نصوحا بفضل البرامج الدينية التي كانت تتابعها والتي وطدت علاقتها بالله وجعلتها تحلّق في جو إيماني لم تعهده من قبل، إنه عندما يحلّ العيد يصيبها اكتئاب شديد لا تتمكن من التخلص منه بسهولة، لأنها تشعر بأنها ستتعود على حياة جديدة خالية من الإيمان والتقوى، وبالفعل بدأت بمرور الأيام تتقاعس عن الطاعات التي كانت تؤديها في شهر الصيام، ولم تتمكن من منع نفسها من الذهاب إلى الأعراس الصاخبة كما عاهدت نفسها في رمضان، لذلك كلما جاء عيد الفطر شعرت بهمّ ثقيل ينتزع منها فرحة هذه المناسبة التي كان يفترض أن تكون سعيدة.
أما بالنسبة للسيدة حورية، فعيد الفطر يعتبر المحطة التي تفصل بين حياتين، حياة روحانية، وحياة مادية يهيم فيها الإنسان على وجهه لتحقيق سعادته في أكله وشربه ولباسه وفي شكل شقته ولون سيارته لتتضاءل مساحة الجانب الروحي وتكاد تتلاشى لولا بعض المواقف التي تعيد الحياة لها، والعيد بالنسبة ل”حورية” محطة تحب أن تغادرها بسرعة لأنها تخلط أوراقها، حيث تقول إنها في عيد الفطر من العام الماضي نامت كثيرا لدرجة أنها لم تتمكن من معرفة ما إذا كانت في العيد أم مازالت في رمضان، حيث أنها قامت بزيارة أهلها في آخر النهار لأنها أدركت متأخرة أنها في العيد.
ويختلف الأمر بالنسبة ل”سميرة”التي تشعر ب”السماطة”و”ضيق الخاطر”في العيد، خاصة مع المساء كما تقول عندما تجد كل أفراد الأسرة يغطون في نوم عميق والمطبخ الذي كانت الأرجل لا تنقطع عنه في رمضان، لايوجد في العيد من يدخله بعد تناول وجبة الغداء، إحساس مرير بالانفصال عن واقع جميل كانت تحياه سميرة مع عائلتها، سيما بعد آذان المغرب، حيث ينصرف إخوتها ووالدها إلى صلاة التراويح والمقاهي وتنشغل مع أخواتها في مشاهدة التلفاز أو التحدث في الهاتف مع صديقتها بحرية، أما في العيد فلا أحد من أخوتها يغادر البيت، ولا أحد من الأقارب يطرق عليهم الباب، ولا أحد يفكر في الثلاجة التي أفرغت محتوياتها بحجة أن محلات بيع الخضر والفواكه لا تفتح إلا بعد ثلاثة أيام، ما يزيدها قلقا واكتئابا.
وبالنسبة للسيدة نورة، فإن العيد يجدد لديها الشعور بالحزن بعد أن فقدت ابنتها المريضة في رمضان، والعيد هو المناسبة الأولى التي زارت فيها قبر ابنتها ما يجعل قدومه مناسبة توقظ مواجعها التي بدأت تهدأ قليلا.
قد تختلط أحاسيسنا في العيد، ولا نعرف مصدر شعورنا بالاكتئاب، ولكن الحقيقة موجودة داخلنا حيث يكمن الضمير والشعور بالذنب، إذ انقضاء شهر رمضان معناه أننا سننخرط في حياة روتينية ليس فيها ما يميزها عن غيرها، أيام متشابهة تمر علينا بدون أن تترك بصمات، أو نترك فيها بصماتنا، على خلاف شهر رمضان الذي يمنحنا فرصة لمراجعة أنفسنا، ويجدد علاقتنا بالله.