الرأي

الغموض يغلب الدبلوماسية

محمد سليم قلالة
  • 4062
  • 4

حيرة الدبلوماسيين الغربيين بشأن مستقبل من سيحكم الجزائر تحمل أكثر من دلالة إيجابية عن طبيعة السلوك السياسي للدولة الجزائرية رغم كل ما يقال عن انكشاف هذا السلوك لدى القريب والبعيد.. فلحد الآن وقُبيل أشهر عن الانتخابات الرئاسية لا أحد يعرف من سيصل إلى قصر المرادية، بل لا أحد يعرف بالضبط من سيترشح رسميا ناهيك عن من سيفوز بمنصب القاضي الأول في البلاد.

سفراء الدول الأجنبية يتنقلون بين هذا أو ذاك لمعرفة أدنى حدث، ومنهم من يزور الأحزاب لعله يفوز بمعلومة يبني عليها سياسته، ووسائل الإعلام تسعى للوصول إلى نتيجة ذات مصداقية دون جدوى. الجميع لا يعرف ما يحدث وما سيحدث في الاشهر القليلة القادمة.

وقد شدت انتباهي زيارة أحد السفراء الأجانب الذين يُفترض أنهم الأقدر على فهم الواقع الجزائري، لفريق الديمقراطيين وفريق الإسلاميين لعله يجد بعض ما يبحث عنه، فإذا به بدل أن يحصل على النتيجة المبتغاة يخدم، من حيث يدري أو لا يدري، تلك الفكرة التي تقول أنه يستحيل أن يحكم الجزائر أحد هذين الفريقين بالتحديد.

وهكذا الأمر بالنسبة لآخرين، كلما حاولوا فهم ما يحدث في الجزائر ارتبكت عليهم الأمور ولم يتمكنوا من معرفته إلا بعد فوات الأوان..

وهذا الأمر ببساطة يجعل من الغموض الذي تمارسه السلطة سياسة يصعب إدراكها، بل هو سياسة تطبقها السلطة حتى على نفسها لتُصبح هي بذاتها ضحية غموضها، فلا يعرف أقرب المقربين منها وأكثرهم قدرة على المساهمة في صناعة القرار ما الذي تريد أن تفعله في الاستحقاقات القادمة

وقد وقع سفراء ضحية اتصال بأحزاب لا تعرف، وضحية سلطة تفضل الغموض على ان تعرف ويعرف الآخرون، ولم يُدركوا أن هذا السلوك هو سمتها الأساسية منذ نشأتها قبل الاستقلال، حيث لا أحد كان يستطيع أن يتنبأ بقراراتها المستقبلية، ولا أحد كان يستطيع كشف أسرارها، ليس فقط، لأن قادة الثورة كانوا يحسنون التكتم على ما يريدون القيام به، بل لأنهم في مستويات معينة لا يريدون أن يعرفوا المعلومة في حد ذاتها إمعانا في النزاهة وتبرئة للذمة. وقد كان هذا من عوامل نجاح الثورة التي لم تستطع إدراكها السلطات الاستعمارية أنذاك.

ويبدو أن بعض الدبلوماسيين مازالوا لم يدركوها إلى اليوم، او اعتقدوا أن طبيعة الجزائري قد تغيرت وأصبح يفكر بمنطق الدولة لا الثورة، أوبالمنهجية التي بها يفكرون.

 

لذا تجدني أقول رغم  أن الغموض يبدو منافيا للدولة المعاصرة وللقدرة على الاستباق، إلا أنه في هذه الحالة يصبح محمودا، فالأفضل أن تُبقي الظلام سائدا حولك على طريقة المرحوم “بوصوف” من أن يعرف الجميع ما تفعل ويعرف السفراء…

مقالات ذات صلة