-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفتوى التي شغلتنا عن نصرة الأقصى

محمد بوالروايح
  • 2398
  • 1
الفتوى التي شغلتنا عن نصرة الأقصى

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلا كبيرا حول طريقة إخراج زكاة الفطر بين من يرون إخراجها طعاما من غالب قوت البلد إعمالا للسنة كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين”، وبين من يجيزون إخراجها نقدا لأن الغاية من وجوبها الامتثال للأمر النبوي كما في قوله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات” (رواه أبو داود وابن ماجة).

ليست المشكلة في اختلاف الفتوى؛ فاختلاف الفتوى مظهر من مظاهر التيسير التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، وإنما المشكلة في الإصرار على اجترار بعض الفتاوى وإشغال الأمة بها في زمن نشهد فيه غارة صهيونية غادرة على المسجد الأقصى. لقد نجحت قوى الشر منذ وقت طويل في إشغال هذه الأمة بالجدل الفقهي المتجدد الذي لا يستحق كل هذه الثرثرة من هؤلاء وهؤلاء، فأحكام زكاة الفطر-على اختلاف المذاهب الفقهية بشأن طريقة إخراجها- مبيَّنة، مفصَّلة في كتب الفقه الإسلامي ولا تحتاج إلى زيادة بيان. إن إسرائيل إذا عزمت على عدوان جديد على المسجد الأقصى جندت لهذه المهمة القذرة أذرعها الإعلامية التي تعمل على بعث خلافات فقهية قديمة بين المسلمين من أجل تنفيذ جريمتها في حق المسجد الأقصى بكل أريحية في ظل صمت إسلامي مطبق لا يفسد عليها خطتها ويجنِّبها ردة الفعل الإسلامية المتوقعة.

وكما أننا يجب أن لا ننشد السلم في عز المعركة والعدو مستمر في استباحة الدماء والتلذذ بمشاهد الأشلاء، فكذلك يجب أن لا نُشغل أنفسنا بخلاف فقهي قديم وعساكر أحفاد “يهود خيبر” تعربد في باحات المسجد الأقصى وتعنّف زواره وعمّاره بدعوى أن مكان المسجد الأقصى “ميراثٌ يهودي مستحق سطا عليه المسلمون وينبغي أن يسترد تنفيذا للوصايا التوراتية”. إن أغلب هزائم المسلمين في التاريخ الإسلامي مردها إلى قصورنا في فقه الأولويات الذي يجعلنا نهتم ونغتم لخراب البصرة لا أن نتفنن في وصف ميادينها الفسيحة ودواوينها الثقافية العامرة، فالزمن زمن حرب وليس زمن الهيام والإلهام الشعري.

إن الخلاف حول زكاة الفطر بين المذاهب الفقهية ليس في وجوبها من عدمه، فهذه مسألة حسمتها النصوص الشرعية ولا اجتهاد مع النص، وإنما الخلاف حول طريقة إخراجها وهذا خلافٌ في الفروع لا يستدعي كل هذا الجدل الذي وجد فيه المتربصون فرصة للضحك على أذقان هذه الأمة وإشغالها بفروع لا تُسمن ولا تغني من جوع على حساب مقدساتها وقضاياها المصيرية التي هي عنوان وجودها وسر بقائها، وللشيخ محمد الغزالي رحمه الله كلمة معبرة يصف فيها حال الأمة الإسلامية حينما يستبدُّ بها الجهل ويجعلها رهينة خلافات قديمة يحرص بعض المتربصين على النفخ فيها كلما سنحت لهم الفرصة، يقول محمد الغزالي: “.. فإذا رأيت من يهتمّ بشكل غير عادي بطريقة وضع اليد في الصلاة، هل هي فوق السرة أم تحتها؟.. ويُتعبه ذلك أكثر ما يؤلمه دماء المسلمين في كل مكان اعلمْ أنه مجرّد مسخ”.

إن هذا الكلام لا يعني أننا نهوِّن من شأن زكاة الفطر، فتلك عبادة تعبّدنا الله بها ليس لنا فيها خيار إلا أن ننفذها كما جاءت امتثالا لأمر الله ورسوله مصداقا لقوله تعالى: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم”، لكنَّنا نبغض الجدل الزائد عن اللزوم الذي يثار هنا وهناك بين “ذراري المسلمين” الذين تستهويهم مظاهرُ الثرثرة التي يُحدِثونها في المجتمع الإسلامي بدعوى “نُصرة السُّنة” والسنة براء منهم براءة الذئب من دم يوسف.

عجيبٌ أمر هذه الأمة التي تطبق سنة رص الصفوف في الصلاة ولا تطبقها في الحياة، فصفوفنا مهلهلة تخترقها شياطين الإنس والجن وتنفذ منها لتفعل فعلتها في المسجد الأقصى متى شاءت وكيفما أرادت لأنها تعلم بأن “جيروم” صلاح الدين الأيوبي لن يتكرر في هذه الأمة التي هانت على الله فهانت على الناس.

وعجيب أمر هذه الأمة التي تطبِّق سنَّة سدِّ الفُرج في الصلاة ولا تطبق سنّة تفريج الكُرب، وتقف من بعيد ترقب سياط المستوطنين وهي تلهب ظهور الراكعين الساجدين في المسجد الأقصى ولا تقدر على فعل شيء ولو أرادت لأنها أشربت الهوان والمسكنة من عهد الحكام الأمويين إلى يوم الناس هذا.

عجيبٌ أمر هذه الأمة التي تطبِّق سنَّة سدِّ الفُرج في الصلاة ولا تطبق سنّة تفريج الكُرب، وتقف من بعيد ترقب سياط المستوطنين وهي تلهب ظهور الراكعين الساجدين في المسجد الأقصى ولا تقدر على فعل شيء ولو أرادت لأنها أشربت الهوان والمسكنة من عهد الحكام الأمويين إلى يوم الناس هذا.

وعجيب أمر هذه الأمة التي ترفع شعار “لبيك يا أقصى” فإذا جدَّ الجد ضربت أخماسا على أسداس وهرعت إلى حجراتها فرارا بجلدها إلى حين مرور العاصفة، لا يهمها أن يستباح الأقصى أو يباع بأبخس الأثمان أو يغرق أو يحرق على رؤوس رواده على أيدي غلاة بني صهيون.

وعجيب أمر هذه الأمة التي يرفع بعض أهلها شعار “الموت لإسرائيل” ثم نجد أنه تكتب لإسرائيل الحياة في كل مرة وتخيم مشاهد الموت على أهلينا المرابطين في المسجد الأٌقصى. وعجيب أمر هذه الأمة التي تقرأ في قرآنها قوله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير”، ولكنها تعجز عن نصرة الأقصى ولو بأضعف الإيمان.

وعجيب أمر هذه الأمة التي تؤمن بعقيدة “الولاء والبراء” ثم يضع بعض أهلها أيديهم في أيدي الجلاد وقد يستقوون به على إخوانهم المرابطين في أكناف بيت المقدس. وعجيبٌ أمر هذه الأمة التي لا تزال تستهويها حكاية “دم البعوض” ولا تحرِّك ساكنا للدفاع عن أرضها وعرضها.

وعجيب أمر هذه الأمة التي تحتفي بحادثة الإسراء والمعراج ولكنها تقف عاجزة عن نصرة الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، بل يلتمس بعض المطبِّعين لـ”إسرائيل” سبعين عذرا أقلها أنها “دولة مستهدفة ومن حقها أن تفعل ما تشاء من أجل حماية كيانها”.

عجيب أمر هذه الأمة التي يقتتل بعض أهلها حول قضاء الفوائت ولكن لا تتحرك لهم شعرة ولا ينبض لهم عرق وقدسهم تعبث فيه خيول المستوطنين وتدنسها أقدام شذاذ الآفاق الذين لا يألون في مؤمن إلًّا ولا ذمة ولا ترحم سياطُهم امرأة ولا شيخا كبيرا ولا طفلا.

وعجيب أمر هذه الأمة التي يتغنى بعض أهلها بحادثة “وامعتصماه” فلا تثير فيهم الحمية لهذا الدين والغيرة على حرائر المسلمين اللواتي يُعتدى عليهن ويقتلن بدم بارد وتبقر بطونهنّ ويُنكَّل بهن ويمثَّل بجثثهن على مرأى ومسمع من العالم.

وعجيبٌ أمر هذه الأمة التي تحتفل بذكرى الفتح الأعظم وقد تنكّبت الطريق وأضحت هدفا سهلا لكل متربص، حالها في ذلك كحال الغثاء الذي لا حول له ولا طول والذي تتقاذفه التيارات يمينا وشمالا لا تقدر على شيء ولا تفكر في رفع الظلم عنها وكأنما كُتب عليها لا تملك منه فكاكا.

وعجيب أمر هذه الأمة التي يصدِّع بعض أهلها رؤوسنا بفضائل الوحدة الإسلامية وهي ممزقة مشرذمة لا تجتمع أوصالها  ولا  تتّحد كلمتها ولا تتفق إرادتها ولا تهتمّ لحال المسجد الأقصى وهو يُسلب ويُغتصب في دجى الليل ووضح النهار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • علي بن داود

    من تخاطب ؟ الحكام ام الشعب . اما الحكام نددوا و اما الشعب ننتظره