-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفصائل الفلسطينية.. ثقافة قبول النقد جزءٌ من التحرير

الفصائل الفلسطينية.. ثقافة قبول النقد جزءٌ من التحرير

تحدّثتُ في مقال سابق عن أبرز مظاهر تشتت القضية الفلسطينية والتي سمحت بتوسّع الهوة بين فصائلها الأساسية، فتح ومن خلفها السلطة الفلسطينية مصرّة على اختصار أمر المصالحة في حكومة وحدة وطنية وباقي الفصائل مجتمعة مصرّة على أن المصالحة يجب أن تبدأ بترتيب البيت الداخلي وفي مقدِّمته منظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة فتح كلية.

وتتمة لهذه المظاهر نضيف:

سابعا: الصراعات الموجودة في داخل كل فصيل سواء حركة فتح التي تفرخت منها عديد التنظيمات وعديد الشخصيات الذين انشقوا عن الحركة الأم بسبب الاختلافات سواء كانت فكرية أو سياسية أو نفسية وشخصية في أغلبها، ولم تسلم حتى الفصائل ذات الخلفية الإسلامية التي تسللت إليها ثقافة الخلافات بين القيادات تحديدا ولم تعد هذه الاختلافات مستترة ولا خفية، وبالمناسبة هي خلافاتٌ طبيعية لأنها طبيعة بشرية وفطرة إنسانية، لكن محاولة إغفالها أو لبس ثوب الملائكة الذين لا يخطؤون فهذا خطأ كبير جدا، ما أقصده في هذا التوصيف ليس وجود الخلاف من حيث الأصل ولكن عدم الاعتراف به أو معالجته وبخاصة عندما يتطور إلى التأثير على مسار القضية الفلسطينية، ألم يقولوا: من كتم داءه قتله.. وذات المآل حدث لكثير من الحركات الإسلامية مثلا التي طالما تغنت بانضباط أفرادها وتضحيات قياداتها لكن عندما دبّ الشقاقُ والانشقاق بينهم رأينا مشاهد وحلقات صراع مؤلمة لا اختلاف بينها وبين التنظيمات الأخرى ذات المرجعية اليسارية أو  العلمانية.

ثامنا: فشل كل محاولات التقارب بين الفصائل الفلسطينية وتحديدا فتح وحماس لدرجة تطور الصراع إلى الحسم بالسلاح بغض النظر عن الطرف الذي معه الصواب، لكن أن يصل حسم الصراع والاخلاف والاختلاف إلى حمل السلاح ضد فصيل آخر فهذا في اعتقادي تطور خطير وغير مسبوق ستكون ضحيته القضية الفلسطينية في حد ذاته ولن تهمنا حجج هذا الطرف أو أدلة ذاك الطرف، فما الذي سيفيدني كجزائري أو كمصري أو كعراقي أو تركي أو ماليزي في أن حركة فتح هي التي على صواب أو حركة حماس في صراعها المسلح مع الأخيرة هي التي على صواب، بالنسبة لهؤلاء المحبين للقضية الفلسطينية النتيجة واحدة ومؤلمة ومحبطة وهي أن حلمهم في التحرير بدأ يتقلص وينحصر وينكمش مادام الصراع بين الفصائل الفلسطينية مستمرا ولا أعتقد أن جليده سيذوب قريبا فلا الانتخابات حلت الاشكال ولا الحوار قلص مسافات الخلاف وبقيت الأمور على حالها والمستفيد هو العدو بكل تأكيد للأسف الشديد.

تاسعا: غياب الطرف الخارجي المنصِف والذي يدعو إلى الوحدة الصادقة والتنسيق الإيجابي لصالح القضية الفلسطينية، فتجد الدولَ منحازة لهذا الطرف دون الطرف الآخر، وحتى المنظمات غير الحكومية و الأحزاب و التنظيمات بمختلف تخصصاتها وانتماءاتها ووظائفها في العالم العربي والإسلامي كل طرف منحاز لفصيل فلسطيني بحكم المدرسة الواحدة أوالأيدلوجية الواحدة أوالمدرسة الفكرية والسياسة الواحدة، ما عمَّق الشرخ أكثر ووسَّع النزيف بشكل مرعب وخطير، لكن تجد أوروبا مثلا وعن بكرة أبيها تجرِّم الحركة النازية بل ولديها كاتحاد عقد اجتماعي وسياسي وفكري تجمع عليه، إلا في منطقتنا العربية والإسلامية فإننا مختلفون في كل شيء وحول كل رأي.

ما أقصده في هذا التوصيف ليس وجود الخلاف من حيث الأصل ولكن عدم الاعتراف به أو معالجته وبخاصة عندما يتطور إلى التأثير على مسار القضية الفلسطينية.. وذات المآل حدث لكثير من الحركات الإسلامية مثلا التي طالما تغنت بانضباط أفرادها وتضحيات قياداتها لكن عندما دبّ الشقاقُ والانشقاق بينهم رأينا مشاهد وحلقات صراع مؤلمة لا اختلاف بينها وبين التنظيمات الأخرى ذات المرجعية اليسارية أو  العلمانية.

لن تجد حزبا إسلاميا في كل العالم الإسلامي يعارض حماس أو ينتقد توجهاتها (أتحدث عن العلن على الأقل)، ولن تجد فصيلا يساريا أو علمانيا يقف مع حماس في المقابل، بل يجتهد في إيجاد كل المبررات لصالح حركة فتح والسلطة الفلسطينية في كل ما تقوم به من سياسات وتوجُّهات، في الوقت الذي غاب فيه صوت العقل والحكمة وأن الوقت ليس وقت الجدال ولا موضع اصطفاف فيمن يملك الشرعية أو الصوابية أو المظلومية، لن أنسى ما حييت في جلسة فكرية وسياسية دعوت فيها لضرورة الوَحدة بين الفصائل الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس ليهجم عليّ بعض الحاضرين بأن هذا يستحيل وبأن حركة فتح حركة عميلة والحق مع حماس ويجب أن ندعمها بكل ما أوتينا من قوة، فقلتُ آنذاك وسط هذا التشدّد والتطرّف بأن الوَحدة مقدمة وبأن القطيعة والصراع لن يزيد إلا من التشنّج وضياع القضية، وأن المحاججة والجدال العقيم شبيهٌ تماما بالصراع بين “علي” و”معاوية” الذي لا يزال إلى اليوم لم يُحسم بين المسلمين، وانتهت جلستُنا بلا حل أو موقف معتدل للأسف الشديد، وأكيد هذه الصورة مشترَكةٌ في عديد الدول والأحزاب والتنظيمات.

طبعا ما سقته من مظاهر سالفة الذكر للتشتت والهوان الذي تعرفه القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة يجعلني أنبه إلى الملاحظات المهمة التالية:

  • لست أتحامل على القضية الفلسطينية، فلقد تربينا جميعا على حب فلسطين ومازالت شعلة التحرير متقدة عندنا ولو بالحد الأدنى رغم مصائبنا على مستوى دولنا وأقطارنا التي ليست هي الأخرى بخير على الإطلاق، فلا يزايد علينا أحدٌ بحبه لفلسطين عندما نقدِّم هذا النقد الداخلي الذي تشهده القضية من خلال فصائلها وشخوصها، كما يجب أن تسود ثقافة راسخة مفادها أن النقد لا يعني العدائية وأن النصح لا يفيد بالضرورة كونه خصومة خاصة إذا كان هذا الناقد والناصح قدّم نصحه بصدق وموضوعية وتجرد وحياد.
  • ليس لي موقفٌ سلبي من الفصائل التي تم ذكرها سالفا وإنما طبقت القاعدة المشهورة: أقول للمحسن أحسنت وأقول للمسيء أسأت، سواء تعلق الأمر بحركة فتح الكبيرة والعريقة، أو حركة حماس كذلك بتاريخها الطويل والعريق والمقاوم، وبقدر قيمتك يكون النقد موجَّها لك كما يقولون،ولذلك يجب أن تتسع صدور هؤلاء لسماع النصيحة والنقد معا.
  • أنا غير معني بالمتطرِّفين عاطفيا ممن لا يريدون سماع النقد أو الوصف الذي أراه صائبا وموضوعيا سواء تعلق الأمر بالداخل الفلسطيني من المنتسبين للفصائل أو ممن يوالي ويدافع عنهم من خارج فلسطين خاصة الذين ليس لهم علاقة مباشرة بالصراع، ولا يعرف عن الصراع هناك سوى الدفاع عن فصيله الذي يتقاسم معه الأيديولوجية أو التوجُّه كما تمت الإشارة إلى ذلك سالفا.
  • أنا غير معني كذلك بالمتطرفين أيديولوجيا وأراهم خطرا كبيرا على هدف التحرير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهؤلاء يحبون حركة فتح مثلا فقط لأنهم يتقاسمون معها التوجُّه السياسي والأيديولوجي، ويكرهون حركة حماس والفصائل ذات التوجّه الإسلامي لذات السبب السياسي والفكري والايديولوجي كذلك، والعكس صحيحٌ بالنسبة لمن يناصر الفصائل الإسلامية ويكنّ العداء والحقد والخصومة لحركة فتح، وكلا الطرفين مخطئ؛ لأن المسألة ليست داخلية حتى نعتبر هذه الاختلافات طبيعية وعادية ولكن الأمر يتعلق بمقاومة احتلال والرغبة في تحرير أرض وعودة مهجّرين ممن هم في الشتات وفي كل قارات العالم الخمس.
  • أحاول من خلال هذه المقاربة أن أكون موضوعيا وأقف على مسافة وسط بين كل الفصائل الفلسطينية ولست ملزما بتحديد ميول لهذا الفصيل أو ذاك لكي أقدّم صورة أوضح وموقفا أقرب إلى الحقيقة والصواب، لأن الصراع الفلسطيني- الفلسطيني لم يعد يُحتَمل أو يطاق ولا أرى في التصنيف الأيديولوجي أو الانحياز العاطفي لهذا الطرف أو ذاك في هذا الظرف الصعب والحساس إلا تعميقا للصراع والانشقاق بين الفرقاء الأشقاء والذي لن يأتي بخير أبدا، لستُ هنا أطالب أي فصيل بالتخلي عن أفكاره أو معتقداته الفكرية والسياسية والأيديولوجية، لكننا في المقابل لسنا استثناء من الدول والأمم والحضارات الأخرى التي اتفقت على الحد الأدنى من التنازل الأيديولوجي ضمن عقد اجتماعي متوافق عليه خدمة للشعب والوطن والقضية.. هذا هو المطلوب فقط من الفصائل الفلسطينية المتناحرة.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!