الرأي

الفضيحة!

حسان زهار
  • 2552
  • 6
ح.م

لا أدري لماذا تذكرت الآن الرئيس المخلوع بوتفليقة، ربما لأني وأنا اشاهد مجزرة حفل “سولكينغ”، التي سقط بسببها من القتلى في لحظات، ما لم يسقط في ستة أشهر من الحراك، كنت أرى “الجيل البوتفليقي” الحقيقي، وهو يخوض معارك الشرف نصرة لقضايا الوطن والأمة على وقع موسيقى “الريغي” والـ soulوالهيب هوب.

ما حدث في ملعب 20 أوت، كان جريمة مزدوجة، الأولى تتحملها وزارة “المرداسي” بسبب سوء تنظيمها، وقرارها بإخراج الشباب من حالة “الثورة” إلى حالة “البعرة”.. بكل ما تحمله الكلمة من بذاءات حاملي “المنقوشة” في الأذن، وتصفيفات الكيراتين الثمينة.

أما الثانية، فهي امتدادات نظام العصابة لبوتفليقة، التي حطمت في عشريتين من الحكم، منظومات التربية والتعليم والثقافة والفن والدين والأخلاق، وفق خطة جهنمية أعلنها بوتفليقة نفسه منذ البداية.

كانت الجزائر أرض الفن الأصيل، والكلمات الراقية الجميلة، حتى جاء بوتفليقة في غفلة من الزمن، وأعلن أمام الناس، أنه سيفتح التلفزيون الرسمي للشاب خالد وأغاني الراي الهابطة (ومن لا يعجبه الأمر يغير القناة !(

تطور الأمر بعد ذلك، حتى صار الشاب مامي هو الناطق الرسمي باسم الحكومة، لتكبر مأساة جيل كان يظهر أنه ضيع تماما البوصلة، لولا أن أعاد إحياءها الحراك، لكن يبدو أن عملية الإحياء هذه لم تكن كاملة.

لذلك، تكلمنا عن حالات الوعي التي صنعها الحراك المبارك، وطفرة الانتقال من دائرة “الغيبوبة” إلى دائرة “الانتباه”، غير أن الجريمة التي ارتكبت في حق هذا الشعب طوال العقدين الماضيين، كانت على ما يبدو فوق التحمل، وبالتالي كان واضحا أن كثيرا من الوعي هو “وعي زائف”، يختزل في داخله الكثير من الشطط، والكثيرالكثير من الميوعة.

الكثيرون ممن حضروا حفل هذا “السولكينغ” شاركوا بكل تأكيد في فعاليات الحراك، وهتفوا مع الهاتفين (كليتو لبلاد يا السراقين)، ومنهم من طالبوا برحيل الحكومة، وعلى رأسها وزيرة الثقافة، لكن بمجرد أن لوحت لهم الوزيرة المنبوذة، بطعم الحفل العالمي، حتى نسي هؤلاء (السراقين الذين أكلوا البلاد) بنفس الطريقة (مغنون يأخذون الملايير وشعب يدفع من جيبه 1500 دينار ليحضر حفل البلاي أوف)، ونسوا معارضتهم للوزيرة، بل ونسوا الحراك والثورة والجزائر نفسها.

من المهم هنا التنويه، أن الفصيل السياسي الذي يدعم هذا النوع من الغناء والمجون، هو ذاته الفصيل الذي حاول تنظيم المظاهرات يوم الأحد وفشل، كما فشل من قبل في تنظيم المظاهرات “السبتية”، وعندما قرر الشعب الخروج في يوم جمعة المسلمين، برمزيتها و”قمصانها” التحق هؤلاء، وأصبحوا ينتظرون كل جمعة على أبواب المساجد، متى ينتهي المصلون من صلواتهم، لكي يأتيهم المدد العظيم، ثم يستغلونهم الاستغلال الأمثل.

هؤلاء هم جماعة “لاليبرتي” التي يغنيها هذا “السولكينغ”، على الطريقة التي يغنيها من خرج لتوه من مخمرة، وهم أنفسهم جماعة “حووورة ديمقراطية”، و”مدنية وليست عسكرية”، رغم أنهم هم أنفسهم للمفارقة، من كانوا بالأمس مع الدولة العسكرية، والانقلاب على إرادة الشعب، خوفا من الدولة الدينية.

بينما تقاوم في المقابل، الجزائر الحقيقية، الأصيلة وغير المتناقضة مع ثوابتها وتاريخها، وهي الجزائر التي حاربتها منظومة بوتفليقة بالأمس، وحركت ضدها الإعلام المأجور، لكي يصف أهل ورقلة مثلا بـ”الكلاب”، فقط لأنهم قرروا مقاطعة حفلات المجون، وقرروا إقامة صلاة الجماعة في الشارع.

إن إسقاط منظومة بوتفليقة في جانبها الأخلاقي، هو أصعب بكثير من إسقاطها سياسيا فقط.

ذلك أن جزءا مهما من الشعب، ممن بات يرى في “سولكينغ” أيقونة الحراك والحرية، تعرض لعمليات “اخصاء” وإعادة برمجة (فورماتاج)، من الصعب استعادتهم من دائرة (الغاشي) إلى حضرة (فخامة الشعب).

مقالات ذات صلة