-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفنان عبد الرحمن قماط: لبنان طائر الفينيق الذي يبعث من الرماد

الشروق أونلاين
  • 3651
  • 0
الفنان عبد الرحمن قماط: لبنان طائر الفينيق الذي يبعث من الرماد

الفنان عبد الرحمن قماط فنان ملتزم ظل طوال 20 سنة يتغنى بالوطن الصغير والكبير، وكان رصيده في هذه الرحلة الطويلة أكثر من 200 أغنية ملتزمة وأربع سمفونيات، شارك في العديد من المهرجانات الوطنية والدولية من بينها المهرجان الموسيقي في بيونغ يونغ بكوريا الشمالية حيث‮ ‬لفت‮ ‬الانتباه‮ ‬بإبداعاته‮ ‬وطريقة‮ ‬غزفه‮ ‬على‮ ‬آلة‮ ‬العود‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬تفارقه،‮ ‬التقينا‮ ‬عبد‮ ‬الرحمن‮ ‬في‮ ‬بيته،‮ ‬حيث‮ ‬كان‮ ‬يضع‮ ‬اللمسات‮ ‬الأخيرة‮ ‬للحن‮ ‬جديد‮ ‬يجسد‮ ‬فيه‮ ‬حال‮ ‬الأمة‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الأيام‮ ‬العصيبة‮.‬محمد‮ ‬حديبي
‬ماذا‮ ‬بعد‮ ‬عشرين‮ ‬سنة‮ ‬من‮ ‬الإبداع؟

وهل يكفي العمر كله لنفي الوطن حقه..؟ إن ما أنجزته على مدى السنوات التي ذكرت، هو همس من صراخ كان يجب أن يكون أعلى مما جرى ويجري حاليا فوق جسد الوطن الكبير المسجى، لقد غنيت ولحنت الكثير من الأعمال التي كان محورها الأساسي هموم مواطن يحب وطنه الصغير والكبير حتى النخاع، وينطلق دائما من رؤية جزائرية بحتة محاولا تجسيد أحلامه العربية والإنسانية، حيث أن قضيتي الأولى هي الإنسان في أي زمان ومكان، وعموما وصل إنتاجي من الأغاني الملتزمة إلى أكثر من مئتي أغنية، أربع سمفونيات أهمها صوت الجنوب، وصديقي الشاعر.

‬قلت‮ ‬إنك‮ ‬تغني‮ ‬للإنسان‮ ‬حيثما‮ ‬كان،‮ ‬والإنسان‮ ‬يتعرض‮ ‬هذه‮ ‬الأيام‮ ‬في‮ ‬لبنان‮ ‬وفلسطين‮ ‬إلى‭ ‬أبشع‮ ‬أنواع‮ ‬الإبادة‮ ‬هل‮ ‬من‮ ‬تعليق؟

لبنان هذا البلد الصغير لم يكن في يوم من الأيام بمنأى عن المحن؛ فقد تعرض عبر تاريخه الطويل إلى الكثير من المآسي التي سهرته وحولته إلى ما يشبه طائر الفنيق الذي يقوم من رماده كلما احرقه أعداؤه، ولبنان سينتصر على الهمجية الطاغية، ومقاوموه بكل أطيافهم ومشاربهم هم الشوكة المغروزة في خاصرة العدو الصهيوني المحتل، وأنا أشد على أيدي المقاومين البواسل بعيدا عن الانتماء الإيديولوجي والتصنيفات الأخرى لأقول لهم وجداننا وقلوبنا معكم أيها الأبطال، والنصر آت لا محالة، فبعد الحلكة لا يكون إلا الفجر.

‬هل‮ ‬تفكر‮ ‬في‮ ‬عمل‮ ‬جديد‮ ‬يجسد‮ ‬ما‮ ‬يلامس‮ ‬أحاسيسك‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الأيام‮ ‬المثقلة‮ ‬بالهموم‮ ‬العربية،‮ ‬ونبض‮ ‬المقاومة‮ ‬الخالد؟

لم يبارحني الهم العربي يوما وأنا أذكر أن أول ألحاني من كلمات الشاعر بوداود فوضيلي كانت شيئا شبيها لما يحدث اليوم، وكلنا يتذكر حصار بيروت حيث غنيت.. يقتلني الجرح النازف في وطني.. هذا الجسم المتفتت

تقتلني‮ ‬امرأة‮ ‬فقدت‮ ‬نهدا‮.. ‬والسيد‮ ‬حي‮ ‬ميت
تقتلني‮ ‬قهقهة‮ ‬الرؤساء‮.. ‬وراء‮ ‬كواليس‮ ‬الحكم
وآلاف‮ ‬الفقراء‮..‬على‮ ‬أرصفة‮ ‬الطرقات
يتناقض‮ ‬لون‮ ‬اللون‮ ‬الأبيض‮ ‬في‮ ‬وطني‮.. ‬فتصير‮ ‬الحرب‮ ‬سلاما‮..‬

وغنيت بعدها للتهجير الذي تعرض له الفلسطينيون، وغنيت لفلسطين التاريخية بكل أبعادها العربية والإسلامية والإنسانية، وسأظل أغنيها حتى آخر أيامي لأن الأمر لا يتعلق بموقف عابر بقدر ما يمثل قضية عادلة هي محور كل الأحداث في العالم.

هل‮ ‬جربت‮ ‬الغناء‮ ‬أو‮ ‬التلحين‮ ‬خارج‮ ‬الالتزام؟

إذا كنت تقصد الأغاني العاطفية، فأنا أرى أن المرأة قضية، لكن كيفية تناول هذه القضية هذا هو المهم، فإذا كان التناول يصب في خانة احترام إنسانية المرأة ودورها في الحياة كعضو فاعل يجسد نصف المجتمع فهذا هو الالتزام بعينه، أما إذا كان المقصود من ذلك التعامل مع المرأة‮ ‬على‭ ‬أساس‮ ‬أنها‮ ‬سلعة‮ ‬رخيصة‮ ‬ومبتذلة‮ ‬لم‮ ‬تخلق‮ ‬إلا‮ ‬للمتعة،‮ ‬فذاك‮ ‬أمر‮ ‬لا‮ ‬ألتفت‮ ‬إليه‮ ‬ولا‮ ‬أخوض‮ ‬فيه،‮ ‬وحري‮ ‬ببعض‮ ‬الناس‮ ‬أن‮ ‬يحاولوا‮ ‬الوصول‮ ‬إلى‭ ‬عقل‮ ‬المرأة‮ ‬وفكرها‮ ‬بدل‮ ‬الوصول‮ ‬إلى‭ ‬جسدها‮.‬

‬لكن‮ ‬ما‮ ‬جدوى‮ ‬الشعر‮ ‬والفن‮ ‬الملتزم‮ ‬في‮ ‬عصر‮ ‬العولمة،‮ ‬وهل‮ ‬بقي‮ ‬لهما‮ ‬من‮ ‬دور‮ ‬في‮ ‬عصر‮ ‬وحيد‮ ‬القرن‮ ‬هذا؟

أكيد أن لها دورا ودورا متعاظما يتزايد مع تزايد الهجمة الصهيونية الغربية الظالمة على المستضعفين في فلسطين والعراق ولبنان، ولا أرى الفن الملتزم إلا جزءا من الكل الرافض لهذا الواقع الأليم، ولعل الغناء أو البكاء أو الفرح أو الصراخ هي تعابير وجدانية تنبئ عن حالة‮ ‬ما،‮ ‬وهي‮ ‬جزء‮ ‬من‮ ‬فطرة‮ ‬الإنسان‮ ‬السوي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يستطيع‮ ‬التخلي‮ ‬عنها،‮ ‬لذلك‮ ‬فالفن‮ ‬الملتزم‮ ‬باق‮ ‬رغم‮ ‬أنف‮ ‬العولمة‮ ‬ووحيد‮ ‬القرن‮ ‬لأنه‮ ‬مرتبط‮ ‬بالفطرة‮ ‬والإنسان‮ ‬حيثما‮ ‬وجد‮ ‬الإنسان‮.‬

‬تعاملت‮ ‬مع‮ ‬عدد‮ ‬من‮ ‬الشعراء‮ ‬العرب‮ ‬ولحنت‮ ‬قصائد‮ ‬رائعة‮ ‬لدرويش‮ ‬والفيتوري‮ ‬وآخرين،‮ ‬لكن‮ ‬الملاحظ‮ ‬أن‮ ‬أغلب‮ ‬أعمالك‮ ‬كانت‮ ‬للشاعر‮ ‬المبدع‮ ‬محمد‮ ‬علي‮ ‬سعيد‮ ‬كيف‮ ‬تفسر‮ ‬هذا‮ ‬الأمر؟

في بداياتي الأولى تعاملت مع نصوص كثيرة لشعراء كثر من أمثال الشاعر محمود درويش والشاعر محمد الفيتوري وغيرهما، لكن ما إن تعرفت على الشاعر المبدع محمد علي سعيد الذي أصبحت تربطني به صداقة هي أعمق من عمل فني مشترك، وجدت نفسي أتفاعل مع ما يكتبه هذا الشاعر الرائع، خاصة أنه منحني الحرية الكاملة في التعامل مع نصوصه، وهو ما جعلني أتكامل مع إبداعاته المختلفة وأجد نفسي قارئا في التعامل بنصوصه التي أترجمها إلى أصوات موسيقية، ولا يفوتني بالمناسبة أن أبارك لصديقي محمد علي سعيد صدور ديوانه الجديد روح المقام.

‬أخيرا‮ ‬ماذا‮ ‬تقول‮ ‬لأطفال‮ ‬لبنان‮ ‬وفلسطين‮ ‬والعراق‮ ‬في‮ ‬مثل‮ ‬هذه‮ ‬الظروف‮ ‬العصيبة‮ ‬التي‮ ‬يمرون‮ ‬بها،‮ ‬وماذا‮ ‬تقول‮ ‬لقاتليهم؟

أما الأطفال فأقول لهم إنكم فعلا أطول من نخل العراق وأوسع من حقول الزيتون في يافا وأجمل من أشجار الأرز في جبال لبنان الشامخ، وليتنا مثلكم أيها الملائكة والقديسون في مرابض البطولة والشهادة، أما القتلة المجرمون فليس لهم أن يفرحوا بقتل طفل بريء، لأن دماءه الحارة‮ ‬المتدفقة‮ ‬على‭ ‬أديم‮ ‬الأرض‮ ‬لا‮ ‬تنبت‮ ‬إلا‮ ‬مزيدا‮ ‬من‮ ‬النور‮ ‬والأزهار‮ ‬والأقحوان‮ ‬الذي‮ ‬سيدك‮ ‬حتما‮ ‬جنون‮ ‬الظلمة‮ ‬وحلكة‮ ‬الجنون‮.‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!