-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفيتو عدوان مقنّن

الفيتو عدوان مقنّن

استقرّ في الأذهان، أنّ القانون يصنعه المنتصر، وعليه قامت دول الحلف عقب الحرب العالمية الثانية بتقعيد العلاقات الدولية وفقا لإرادتها، وصونا لمصالحها. وبعبارة أخرى، قامت الدول المنتصرة بفرض إرادتها على المجموعة الدولية وأعطت لنفسها الحق دون سواها في قبول ورفض ما تراه ضامنا لبسط إرادتها على بقية شعوب العالم. فالحق ما تراه حقا حتى وإن كان ظلما بَوَاحا، والباطل ما تراه باطلا حتى ولو كان حقا أصيلا.

بهذا المفهوم أُنشِئت منظمة الأمم المتحدة خلفا لعصبة الأمم، واحتُكِر القرار فيها على مجلس الأمن الذي أُنيطت به مهمّة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. ومفهوم السلم والأمن هو ذلك الوضع الذي يضمن لأقوى الأعضاء فيه – وهم الأعضاء الدائمون- مصالحهم دون سواهم، ولذلك أَعطَوا لأنفسهم حق رفض أيّ قرار لا يخدمهم حتى ولو حاز الأغلبية السّاحقة لأعضاء هذا التنظيم في جمعيتهم العامة. ويكفي أن يرفع ممثل أحد الدول الأعضاء الدائمة يده بالاعتراض لتضرب إرادة الأغلبية عرض الحائط.

إنّ حق الاعتراض– الفيتو- الذي منحته الدول الدائمة العضوية لنفسها في مجلس الأمن يمثل التطبيق العمليّ للاستبداد وفرض الإرادة الفردية على الأغلبية.
والواضح، أنّ حق الفيتو أصبح يشكّل مع مرور الوقت تهديدا صريحا للأمن والسلم الدوليين اللذيْنِ وُجِد من أجلهما هذا التنظيم الأممي.

وأصبحت مصائر شعوب العالم مُقيَّدة بإرادة عضو واحد دائم في مجلس الأمن. لهذا السبب تمّ الاعتداء على شعوب كثيرة فأُريقت دماؤها، ونُهِبت خيراتها، وصودِرت سيادتها لأنّها فقط لا تحظى برضاء أحد الأعضاء الخمسة دائمي العضوية في مجلس الأمن.

دخلت محرقة غزّة التي لم تعرف البشريّة لها مثيلا شهرها الثالث وما زالت بعض الدول المالكة لحق الفيتو لا تقتنع أنّ وحشية الصهاينة في غزّة لا تمثّل عدوانا على حق الإنسان في الحياة ولا حق الشعوب في الحرية، وما زال هذا العدوان الأسود الهمجي لا يشكل تهديدا للأمن والاستقرار الدوليين‼
والفضيحة الكبرى، أنّ دعوة الأمين العام استدعاء المادة 99 من الميثاق لم تُقنِع الولايات المتحدة فراحت تسلط حق الفيتو في مجلس الأمن لرفض قرار توقيف الحرب على الشعب الفلسطيني الأعزل يوم 8 ديسمبر 2023.

إنّ استدعاء الأمين العام للعمل بالمادّة 99 لأول مرّة بعد مرور ثلاثين عاما لم يأتِ من فراغ، ولكنّه تأكيد لواقع مرير أصبح معه السلم والأمن الدوليين في خطر داهم، لكن الولايات المتحدة لا ترى ذلك مقنعا ما دامت قاعدتها المتقدمة في الشرق الأوسط تتجرع الهزيمة رغم استفراغ جعبتها من الدّمار والحقد والقتل والتهجير والتجويع على شعب أعزل.

إنّ ممارسة حق الفيتو بهذه الفضاضة والعنجهية والظلم والطغيان لم يعد مقبولا، كما أنّ الصبر عليه لم يعُد ممكنا، وإنّ انهيار الأمن والسلم الدوليين أصبح أقرب من أيّ وقت مضى.

لقد أصبح حق الفيتو هو السبب المباشر في تهديد الأمن والسلم الدوليين ووجب تعديله أو إلغاؤه وإرجاع القرار النّهائي للأغلبية في الجمعية العامّة.
وما لم يتم معالجة هذا الأمر على سبيل الاستعجال فإنّ مصير البشرية ذاهب دون شك إلى تصادم لا يُبقي ولا يذر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!