-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
القرآن كلام الله المنزّل من السّماء

القرآن يخاطب العقل قبل الوجدان

خير الدين هني
  • 306
  • 0
القرآن يخاطب العقل قبل الوجدان

نزل الأمر على النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في أول التنزيل بالقراءة، لأن القراءة هي مفتاح العلم والمعرفة، وبدونها يكون الإنسان جاهلا، والجهل هو الحالقة التي تحلق الشعر، والنازعة التي تنزع الوعي من الشعور، والوعي هو الذي يرقى بالإنسان إلى الكمال الذي يسعى إليه كل فرد، وأداة الوعي هي العلم والمعرفة، والعلم والمعرفة يحصلان بالعقل وحده، ولا سبيل إلى الوجدان والعواطف في تحصيلهما، وكذلك القراءة والتفكير في ذات الله تعالى وملكوته.

الله سبحانه هو من خلق الإنسان الجاهل بحقائق العلم والمعرفة، والتفكير في ذلك لا يحصل إلا بالعقل وحده، وإدراك حقائق الخلق والوجود يكون بالعقل أيضا، ولكن تأثر الكاتب (زكي مبارك) بكلام الاستشراق هو الذي جعله ينساق وراء هذا الكلام المغلوط، ولو كان الكاتب متحررا من تقليد المستشرقين، لأدرك أن سجع القرآن جاء على غير مثال سابق في كلام العرب، وأنه يخالف سجع الكهان والخطباء والحكماء، وأن تأليفه آية من آيات الإعجاز اللفظي الكبرى التي يعجز البشر عن تقليده ومحاكاته ولو اجتمعوا له، وأن القرآن منذ التنزيل إلى آخر مراحل التبليغ، وهو يخاطب العقل وحده أكثر مما خاطب الوجدان والعواطف، لأن العقل مناط التكليف والتكليف يكون بالتفكير والإدراك والتمييز بين الأمر والنهي، وبين الخير والشر، وبين الضار والنافع، وبين الجميل والقبيح، وبين الفضيلة والرذيلة.

وأن محتوى القرآن جامع مانع، ليس مقتصرا على الصلوات والدعوات والابتهالات فحسب، وإنما هو فيض من المعارف الدينية والدنيوية والتعاليم الأخلاقية، وأخبار الأولين والآخرين، والبشارة بالوعد والإنذار بالوعيد.

وخلاصة القول: إن مسألة سجع القرآن التي اختلف فيها الدارسون والباحثون، هي مسألة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، فسجع  القرآن نظام بديع على غير ما اعتادته العرب في فنون كلامهم، فهو متفرد في التأليف والتنظيم ومعجز في التقليد والمحاكاة، وآية كلامي قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة: 23)، والقرآن حين تحدى المشركين على أنهم عاجزون على الإتيان بمثله، كان أكثر سوره المكية مسجوعة. ومما يحمل المتشككين على اليقين إن آثروا طريق الحق، أن يعملوا عقولهم ويدققوا كي يدركوا أن سجع القرآن معجز في لفظه وطريقة تأليفه، وبمقارنة الآيات المسجوعة التي استشهد بها زكي مبارك بالأحاديث النبوية المسجوعة التي أوردها في استشهاده، يتبين وجه الحق عند المقارنة بين سجع القرآن وسجع الحديث النبوي، من أن الفرق بينهما كبير ولا يستسيغه عقل سليم كامل الرشد، ويملك ذوقا فنيا رفيعا للغة العرب وآدابها، أما من كان نصيبه العلمي في علوم العربية متدنيا، فلا كفاية فنية لديه تجعله يميز بين سجع القرآن وسجع الحديث النبوي، فأسجاع الأحاديث لا تخرج عما ألفنا سماعه  في أسجاع الخطباء والحكماء، إلا  أن بلاغة سجع الحديث ليس فيها تكلف ولا تصنع ولا جري وراء القافية على حساب المعنى.

وهكذا نصل بعد هذه الدراسة إلى أن القرآن الكريم كلام الله المنزل من السماء وحيا، لأن إعجازه اللفظي والمعنوي يتجاوز حدود قدرات البشر ولو اجتمعوا له، والمنصرون والمستشرقون والزنادقة والمتشككة ومارقة العصر لو كان بإمكانهم أن يأتوا بمثل القرآن لأتوا به ولو على سبيل المعاندة والمكابرة والتقليد. ولقد رأينا محاولات من بعض المنصرين أتوا بكلمات مقتطعة من القرآن وركبوها في فقرات وخربشات مخزية، يغلب عليها طابع السخرية والوقاحة وقلة الحياء، وزعموا أنهم حاكوا القرآن الكريم، ولا نعلم إن كانوا مطلعين على مناهج النقد الأدبي ويتقصدون تجاهلها، من أجل تمرير مشاريعهم التشكيكية والتضليلية، ومن درس قليلا من النقد الأدبي يعلم أن الانتحال في سرقة الألفاظ، والكلمات والمعاني والصور والأخيلة معرّة كبرى تزري بصاحبها وتجعله سخرية أمام الناس، ويعد الانتحال من أكبر الفضائح العلمية والأدبية التي تسيء إلى اللصوص المعتدين على أفكار غيرهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!