-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الباحثة والمبدعة سامية غشير في حوار لـ"الشروق":

الكاتب الجزائري لا يزال مهمشا وبعض دور النشر ساهمت في الرداءة

صالح سعودي
  • 464
  • 0
الكاتب الجزائري لا يزال مهمشا وبعض دور النشر ساهمت في الرداءة
ح.م

تؤكد الباحثة والمبدعة سامية غشير لـ”الشروق” أن الحركة الأدبية والثقافية في الجزائر تنتظرها الكثير من التحديات، خاصة وأن انتعاشها من ناحية الكم لا يخفي عيوبها وسلبياتها من حيث الكيف، معتبرة أن بعض الإصدارات لا تروق للذوق العام، وبنظرة إبداعية وأخرى نقدية تعود ابنة سكيكدة إلى آخر أعمالها الروائية وتقيم مسيرتها في هذا الإبداعية، في الوقت الذي لم تتوان في انتقاد بعض دور النشر التي تسببت حسبها في تفشي الرداءة.

بداية ما تقييمك للحركة الأدبية والإبداعية في الجزائر؟

الحركة الأدبيّة والثّقافيّة في الجزائر تشهد انتعاشا كبيرا في السّنوات الأخيرة بفعل الإنتاج الأدبيّ الكثير (شعر، قصّة، رواية، مسرح، كتب ثقافيّة…)، لكن رغم هذا الكمّ الكبير في الإصدارات نجد أنّ -أغلبه- لا يروق إلى الذّوق العامّ، ويفتقر إلى مقوّمات الفنّ الأدبيّ، إضافة إلى غياب الرّقابة الفنيّة عن دور النّشر، وضعف الحركة النّقديّة الجزائريّة الّتي فسحت أمام الجميع باب الإبداع دون رقيب أو رادع، فمثلا جلّ الأعمال الأدبيّة والثّقافيّة الّتي تسوّق في معرض الكتاب تفتقر إلى معايير الفنّ البنّاء، إضافة إلى كثيرة الأخطاء اللغويّة.

كيف تصفين مكانة الإصدارات الجزائرية خارج الوطن؟

بخصوص قبول الأعمال الإبداعيّة الجزائريّة خارج الوطن فنلاحظ أنّ حركة التّرويج والتّشهير لا تزال عرجاء وضعيفة، بدليل ضعف عمل دور النّشر الّتي لم تقم بعمل الإشهار بطريقة فاعلة، والدّليل على ذلك ضعف منافسة الأعمال الجزائريّة في المسابقات الأدبيّة الكبرى مثل البوكر وغيرها.

ما رأيك في الراهن الإبداعي في الجزائر على ضوء هذه المعطيات؟

لا يزال يعيش نوعا من الانغلاق والعزلة، وهذا رغم تصاعد مد التكنولوجيا والوسائط المتعددة، فالكاتب الجزائري -رغم تميزه عربيا وعالميا- لا يزال يعاني من التهميش محليا، فلو نتأمل المشهد الإبداعي الجزائري نجد العديد من الأقلام التي تكتب بوعي وتمكن كبيرين، لكن لا تحظى بالاهتمام إعلاميا ونقديا، فالكاتب ما زال ضحية بيئته، إضافة إلى هيمنة أقلام بعينها على الإبداع، وحضورها البارز عبر وسائل الإعلام، والدراسات النقدية والجامعية. كما أن بعض دور النشر أسهمت في تفشي الرداءة بصورة رهيبة، من خلال طبع وتوزيع الأعمال دون قراءتها وتدقيقها جيدا، فبعض الأسماء تستحق الاحتفاء لأنها تكتب جيدا، وبعض الأسماء -رغم ضعفها الفني- سوقت فقط من قبل دور النشر، لتحقيق مصالح هذه الأخيرة.

نعود إليك، بحكم أنك أكاديمية ومبدعة في الوقت نفسه، فكيف تقيمين آخر أعمالك الروائية وما هي منطلقاتها؟

كتبت رواية معنونة ب “لارين”، وهي رواية حضارية رومانسية، ذات أبعاد سياسية وفكرية وفلسفية، فهي تعالج موضوعة الصراع/ التعايش الحضاري بين الأنا والآخر، كما ترتكز على تيمة الفن/ الموسيقى كسلطة ثقافية للتخفيف من توتر العلاقة بين الأنا الجزائري والآخر الفرنسي. كما أشتغل على مجموعة قصصية جديدة بعنوان “يكفي… أن نحلم”، فهذه المجموعة تحوي عديد القصص المختلفة الواقعية منها والمتخيلة، وتنفتح على أنساق عديدة (سياسية، اجتماعية، فكرية، حضارية)، وقد نوعت في أساليب الكتابة بين الأسلوب الإيحائي الرمزي، وبين الأسلوب الساخر، وبين الأسلوب السهل، فكل قصة تختلف عن الأخرى، سواء في موضوعها أم أفكارها أم معالجتها الفنية والدرامية.

أين تجدين نفسك في ظل ثنائية الإبداعي والأكاديمي؟

أنا كاتبة وباحثة من ولاية سكيكدة، متحصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي، أما في الشق الإبداعي فقد كتبت في أجناس عدة منها الشعر والخاطرة والقصة والرواية، حيث تعد المجموعة القصصية “حواس زهرة نائمة” أول عمل إبداعي مطبوع لي، عن دار النشر المصرية “المكتبة العربية للنشر والتوزيع”، حيث شاركت في مسابقة لانتقاء أعمال إبداعية وطبعها على نفقة الدار، والحمد لله اختيرت مجموعتي القصصية، فهذه الأخيرة ثرية بالمرجعيات المعرفية والثقافية، وتعالج موضوعات متشعبة من صميم الحياة والواقع، عبر لغة شعرية إيحائية رمزية، وقد حاولت من خلالها الاهتمام بأكثر التيمات أهمية في الوطن العربي، منها أزمة الشباب ومشاكلهم العاطفية والحياتية، قضايا العنف والإرهاب والاغتراب والموت، أزمة المثقفين، إضافة إلى تيمة الربيع العربي الذي أحرق العديد من البلدان العربية، من خلال تبيان تأثيراته الوخيمة على ذوات الأوطان والأفراد، فهذه المجموعة قد بنيت على تناقضات عدة: الحب والكراهية، الألم والأمل، الحزن والسعادة، الموت والحياة، كما استفدت في كتابتي لها من عديد النظريات الوجودية والنفسية والاجتماعية.

أي المرجعيات والنظريات تستندين إليها؟

استند في كتاباتي الإبداعية إلى الفلسفة الوجودية والنظرية الفرويدية، وهذا راجع إلى طبيعة العصر، والأسئلة التي تثيرها الشخصيات الروائية مثل البحث عن الوجود، الاغتراب، القلق، العدم، الواقع السوداوي، أزمة الحرية، مأساة المثقف، النفي والضياع، وكلها أسئلة يتبناها الكاتب المعاصر في كتاباته.

كيف يتمظهر التجريب في كتاباتك؟

الكاتب الحق من يبدع نصا مختلفا، يخترق به أفق انتظار القارئ، الذي لم يعد متتبعا فقط لحروف الكاتب؛ بل يؤول النص ويعيد صياغته جماليا عبر القراءة الواعية. فالتجريب عندي مهم وضروري، ويتمظهر في نصوصي في اشتغالي الدائم على اللغة الشعرية الرمزية، والاشتغال على حوارية الفنون، وغيرهما.

هل يجب أن يجمع المبدع بين الإبداع والنقد؟

الإبداع والنقد متلازمان حميميا، فالكاتب يمكن أن يكون ناقدا، والناقد يمكن أن يكون كاتبا، وهذا مفيد للمبدع كي يطور ملكاته وطاقاته الإبداعية والنقدية، فلا يجب أن يهتم الكاتب المتخصص في مجال الأدب بمجال واحد فقط؛ بل يجب عليه الإحاطة بمجالي الإبداع والنقد، فيكون كاتبا ناقدا، وناقدا كاتبا. وبالنسبة لي، الأمر مهم جدا، لان هذا يساعدني في تطوير وإثراء طاقاتي.

في الأخير، هل ترين أن هروب الكثير من الكتّاب إلى فن الرواية هو ظاهرة صحية حسب وجهة نظرك؟

هروب العديد من الكتاب إلى فن الرواية مرده انفتاحها وتميزها بعديد الخصائص والمقومات والمرجعيات، واستيعابها لإشكالات العصر، فهي الأقدر والأجدر على حمل هموم ومشاكل وإشكالات الراهن، إضافة إلى ميلها الدائم إلى التجريب والمغامرة بحثا عن صوغ وأشكال سردية وفنية جديدة. غير أن هذا لا ينف وفاء الكثير من الكتّاب لفن الشعر والبقاء على نظمه، لتميزه وتكثيفه الدلالي ورمزيته. فالواجب على كل كاتب أن يكتب في أي جنس يبرع فيه، ويجد نفسه متألقا ومتميزا فيه، دون الأخذ باعتبارات أخرى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!