الكرة الجزائرية.. ما هي نواقصها؟
ماذا ينقص الجزائر كرويا؟.. سؤال طرحته على نفسي مرارا؟وخشيت الخوض في موضوعه وإجاباته كثيرا، ولكنني توكلت على الله وقررت بحث الأمر وطرح وجهات نظر أتمنى أن تحقق هدفها وتلقى الاهتمام والتقدير.. الجزائر بلد كبير مترامي الأطراف.. مساحته مليونان و382 ألف كيلومتر مربع.. أحد أكبر دول إفريقيا.. ويحتل المركز العاشر عالميا بين أكبر البلاد ولا يسبقها من الدول التي توجت بكأس العالم إلا البرازيل والأرجنتين.
تعداد سكانه يناهز أربعين مليون نسمة غير المهاجرين خارج البلاد، وهو رقم يزيد كثيرا على تعداد هولندا وبلجيكا والبرتغال وتشيكيا والسويد وسويسرا وأوروجواي وكلها تتقدم على الجزائر كرويا دوليا ومحليا، ولكن الناتج القومي 211 بليون دولار سنويا لا يتناسب أبدا مع مساحته وما بها من خيرات وعدد سكانه وما لديهم من قدرات وطاقات.. والناتج القومي مثلا لدولة سنغافورة يتجاوز307 بليون دولار، بينما مساحتها 718 ألف كيلومتر مربع فقط، وتعدادها لا يزيد عن خمسة ملايين ونصف المليون.. وتأتي الجزائر في المركز 49 عالميا من حيث ترتيب ناتج الدول، بينما تحتل سنغافورة المركز 36.
أما على الصعيد الكروي.. ورغم تأهل “الخضر“ لمرتين متتاليتين إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2010 في جنوب إفريقيا و2014 في البرازيل.. ورغم الأداء الجيد والنتائج المقبولة في مونديال البرازيل بفوز وتعادل وهزيمتين وعبور الدور الأول للمرة الأولى في تاريخه، إلا أننا لانزال بعيدين، بل وبعيدين جدا عن المكان الذي يليق بالبلد الكبير (مساحة وسكانا وخيرات وإمكانات ومواهب).
المنتخب الجزائري ليس ثابت المستوى من جانب ولم يفز باللقب الإفريقي للأمم إلا مرة واحدة قبل 25 عاما، والأندية العشرة الكبرى عالميا خالية من أي لاعب جزائري مع تقديرنا للنجوم المتناثرين في عديد الأندية الانجليزية والإسبانية والفرنسية والإيطالية، ولكنهم بعيدون عن ريال مدريد وبرشلونة واتليتكو مدريد وإشبيلية في اسبانيا وعن تشيلسي ومانشستر سيتي وارسنال ومانشستر يونايتد في انجلترا وعن بايرن ميونيخ وفولفسبورج وبروسيا دورتموند في ألمانيا ويوفنتوس وروما في ايطاليا وباريس سان جيرمان في فرنسا.. أما الدوري الجزائري المحلي فحدث ولا حرج عن حالات متكررة من الفوضى والشغب والتلاعب والشكوى من الحكام.. والمستوى الفني يتراوح بين المقبول والمتواضع مع ميول إلى التواضع أكثر من المقبول.
ما يحدث في ساحة كرة القدم ليس بمنأى عن كل الساحات الرياضية والصناعية والثقافية والتعليمية والصحية والبيئية والاقتصادية في الجزائر.. كلها تحقق نتائج ومستوى اقل من الإمكانات والطموحات.
دعنا نركز على كرة القدم ونترك الأمور الأخرى لأهلها ليمارسوا عملهم في تحليل نواقصها وسبل علاجها.. ابرز نواقص كرة القدم في الجزائر هو العدد الرسمي للممارسين في الأندية المدرجة باتحاد كرة القدم.. وللأسف لا يوجد في الموقع الرسمي للاتحاد أي إشارة لعدد اللاعبين المسجلين أو عدد الأندية.. ووفقا للتقديرات لا يزيد عدد اللاعبين المدرجين في كل المراحل السنية من البراعم إلى الفريق الأول في كل الأندية عن 50 ألف لاعب.. وهو رقم مخيف في سلبيته قياسا بعدد سكان الجزائر وعدد عشاق كرة القدم بينهم.. بل وعدد الممارسين الحقيقيين للعبة في الشوارع والحارات والساحات والحدائق والشواطئ وفي أي مكان يمكن أن تجرى فيه كرة القدم.. ولكي يدرك الجميع حجم الخطر المتعلق بهذا الرقم المحدود أقدم لكم دولة ألمانيا كنموذج نتمنى أن نقترب منه.. وتعدادها ضعف الجزائر (80 مليونا) ولديها 6 ملايين لاعب من الجنسين مسجل في اتحادها الكروي يلعبون في 170 ألف فريق يمثلون 21 ألف ناد.
هناك إهمال فظيع في فتح الأبواب لأطفال وشباب الجزائر العاشقين لكرة القدم ومنهم الآلاف من أصحاب المواهب الفذة.. والحكومة أولا مع وزارة الرياضة ووزارة التعليم واتحاد كرة القدم وجهات الحكم المحلي، بل ومؤسسات أخرى في المجتمع تتحمل تلك السلبية المؤثرة على كرة القدم في الجزائر.
ولن تتمكن جهة واحدة مهما اتسع نفوذها (كالحكومة مثلا) من إصلاح الأمر بمفردها إذا لم تتعاون معها بصدق اغلب الجهات الأخرى.. ولا بديل عن خطة طويلة الأمد ترعاها الدولة وتشملها الموازنة العامة وتقوم وزارتا الرياضة والتعليم بتنفيذها بالتنسيق مع اللجنة الأولمبية واتحاد الكرة.. ويلتزم من خلالها كل طفل يدخل المدرسة بممارسة الرياضة وينال عنها درجات ضمن حصيلته السنوية.. كما ترعى الوزارة مع اتحاد الكرة تنظيم مسابقات جادة لتلك المدارس على صعيد الأحياء والمدن والمحافظات.
وعلى الدولة ووزارة الرياضة واتحاد الكرة الإسراع في زيادة عدد الأندية ليتضاعف ثلاث مرات على الأقل خلال ثلاثة أعوام.. وهو ما يستوجب ملاعب ومنشآت.. وهو ما نتطرق إليه صباح الثلاثاء المقبل مع الجزء الثاني من الموضوع وأتعرض فيه للنقص الحاد لملاعب الكرة في الجزائر.
وقبل إلقاء السلام على القراء أرجو ألا يسخر أحدهم قائلا (بدلا من الاهتمام بشؤوننا الداخلية.. ابحث في بلدك مصر وحاول إصلاح مشاكلها).. وأرد عليه قائلا والحزن يعتريني أن مصر باتت خارج دائرة الإصلاح والصلاح في كل مناحي الحياة ولسنوات أخرى قادمة، طالما ظل العسكر ببطشهم وقمعهم وجبروتهم ورفضهم للحريات وللديمقراطية.