-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اللباس التقليدي القسنطيني.. ترف الفرقاني وضوء الشامسة وحكاية الـ7 قنادر

فاروق كداش
  • 2218
  • 0
اللباس التقليدي القسنطيني.. ترف الفرقاني وضوء الشامسة وحكاية الـ7 قنادر

لا يمكن أن نتحدث عن قسنطينة، دون الحديث عن المعمار الجميل وموسيقى المالوف العريقة، ودون التغزل بجمال بنت قسنطينة، حاجب وعوينة. وسيكون من غير اللائق ألا نعدد محاسن القندورة القسنطينية، أو جبة الفرقاني، التي تعكس حرفية أهل هذه الصناعة التقليدية المتشبثة بالحياة، رغم تيار التغيير الجارف. الشروق العربي، تعبر الجسور لتحكي قصص القنادر السبع ورحلة جنوة وحطة البايات.

هذه القندورة، صارت مع مرور الوقت رمزا للترف، فعرائس الجزائر يسعين جاهدات لضمها للتصديرة، وعلى جسد العروس، تنافس قطع الكاراكو والبدرون والملحفة الشاوية والجبة القبائلية والشدة التلمسانية مع مخمل الفرقاني.

القندورة القسنطينية، خاصة قندورة القطيفة أو المخمل، زي مكلف جدا، لكن الشورة لا طعم لها من دون هذه التحفة المتنقلة على كعبي غزال. فالقطيفة المستعملة من أغلى الخامات التي تستعمل وأشهرها قطيفة جنوة، التي تعود بحسب المراجع التاريخية، إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وتنسب إلى مدينة إيطالية شهيرة ثم انتقلت صناعتها إلى ليون الفرنسية. أما الخيوط المستعملة في المجبوذ، فهي أيضا باهظة، وهذا لمتانتها وللمعانها، ولديمومتها، رغم مرور السنين والحقب.

القندورة القنسطينية، سميت باسم شهير آخر، هو جبة فرقاني، نسبة إلى العائلة التي اشتهرت بحراجتها، التي لا تمت بصلة للفرقاني عميد المالوف الراحل.

صارت جبة الفرقاني رمزا من رموز قسنطينة، فاستلهمتها الطبقة المخملية وكذلك السيدات الأولى. وتبدأ مراحل تحضير هذه القطعة الفنية عند الفراض، الذي يحدد الشكل المختار، لكن على الجلد ثم يتم تركيبه على القماش، ثم تنتقل الجبة إلى الحراجة التي ستطرزها وهي مرحلة تستغرق مدة طويلة تصل إلى شهور، وهذا باستخدام القرقاف، لتتشكل شيئا فشيئا رسوم القناوية والمرش وفرخ الطاووس، وغيرها من الأشكال الأيقونية. بعد الحراجة، يوضع الكنتيل والعقاش، ثم تنتهي كل المراحل بالخياطة.

الجبة التي لا تسرق

التراث القسنطيني، لا مجال لسرقته، لأنه موثق بالصوت والصورة والأرشيف، الذي يصفع سراق التراث، ولا يترك لهم أدنى فرصة للاستنساخ أو الاقتباس، فالإنترنت تضج بصور القسنطينيات الأنيقات في حقب مختلفة، وهن يرتدين القندورة البيضاء والقطعة والقطيفة والتارزي والسخاب والرعاشة والجبين ومحزمة اللويز القسنطينية والدراية، كما تظهر الصور قندورات نادرة، مثل قندورة التل والشطار، التي تنشطر كما يدل اسمها إلى لونين مختلفين.

مدينة السبع قنادر

ارتبط الرقم سبعة ارتباطا وثيقا بقسنطينة، فعدد أحرفها سبعة، وجسورها القديمة سبعة، وأبوابها سبعة، ومغاورها سبعة، وعيونها الكبيرة سبعة… وقد أثر هذا الرقم حتى في تصديرة العروس القسنطينية، فحاكت له سبع قنادر، لتزف في سبعة أيام وليال.

هكذا، كانت تزف العروس، مهما كانت عائلتها أو حالتها المادية، في سبع قنادر، آخرها الشامسة، التي تستقبل فيها آخر ليلة من الليالي الملاح.

تغادر العروس بيت أبيها بالقندورة البيضاء، وتعتمر الشاشية سلطاني مع الحايك، والمحفل يزرنج بالهدوة. تقدم في مأدبة العشاء الشخشوخة والجاري فريك، وأحد الطواجن الشهيرة، مثل الشباح أو طاجين الحاجب والعوينة والعازب والملوك.

اليوم التالي، يسمى الصباحة، تستقبل العروس أهلها بالقندورة الوردي، الأهل لا يأتون بخفي حنين بل بغذاء فاخر يضم ما لذ وطاب من مطبخ قسنطينة العريق، كالجاري الأبيض وخبز الدار والدجاج المحمر والفاكهة واللبن.

ويطل اليوم الثالث، فتنير العروس الطريق للضيوف بقندورة فضي، تضاهي القمر جمالا، ثم تتوالى الأيام بقندورات بمختلف الألوان، كالفريكي أو الزيتي والتبني.. في اليوم الخامس، ولليوم السادس، قندورته باللون الخيلي. أما اليوم السابع والأخير، فتخصص له أجمل قندورة، وهي قندورة القطيفة المترفة، وتنتهي التصديرة بارتداء الشامسة الشهيرة، التي تكون غالبا باللون الأسود، أو لون غامق آخر.

سابع قندورة في التصديرة القسنطينية، لها رمزية خاصة في تقاليد المدينة، وكانت ألوانها داكنة، مثل الأسود والعكري والعنابي والزيتي والأزرق النيلي.. لكن الأسود هو الأكثر استعمالا في تصميم الشامسة.

للاسم وقع خاص على الأذن، فتشبيه زي عروس بأنه شمس ساطعة، لهو دليل على التقنية العالية المستعملة في خياطتها وطرزها، فتوحي لك بأن خيوط الذهب تنبعث من القندورة لتنير درب العريس، وإن غابت الشمس بزغ القمر فتسمى الشامسة قامرة.. كلها تشبيهات للدلالة على النور.

ذهب الفتلة ومقياس اللويز

للذهب في قسنطينة حكاية ورواية، كيف لا والمدينة تشتهر بالتفاصيل التي لا توجد إلا بين ضفتي جسورها المعلقة بين الأرض والسماء، من أشهر حليها حلي الفتلة التي تحاكي الحراجة بالخيوط، لكن على المعدن الأصفر. فكل حلي يجب أن تصقله الفتلة برسومها ونقوشها البديعة، فنجد تاج الفتلة والبقاط والفلايك والمقياس والمحزمة والسخاب كلها فتلة في فتلة.

على غرار السبيعيات والمسايس، يبدع صاغة المدينة ويتنافسون في صقل أجمل مقياس أو المقايس، مثل مقياس الفتلة سالف الذكر، ومقياس الصم ومقياس الجاموس والتومة واللويز.

تشتهر قسنطينة أيضا بصباط المجبوذ القسنطيني، الذي وإن اشتهر في العديد من مناطق الوطن كالعاصمة مثلا، فإن الصباط القسنطيني يتميز برشمته الخاصة، التي لا يتقنها سوى حرفيي هذه المدينة الضاربة في التاريخ.

للرجل قسط من الذاكرة

لباس الرجل القسنطيني مثال في الأناقة غير المتكلفة، وهو يدعى الحطة، المتكونة من تفاصيل كثيرة مثل القندورة العربي، وهو قميص عريض بلا ذراعين، قماشها من “الملف”، وتضاف إليها الرزة أو الشاش. الجليكة جزء لا يتجزأ من الحطة القسمطينية، وهي قميص مطرز من الجانبين، يضاف إلى طل هذا السروال العربي والكبوس عصملي، وهو عبارة عن قبعة تركية.. البرنوس الأبيض لا مناص منه مع “القريقعات” المطرزة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!