-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اللسان العربي.. المغتال في بلدي

عبد الرزاق قسوم
  • 3674
  • 16
اللسان العربي.. المغتال في بلدي

أبرأُ إليك _ربّي- مما يفعله الحاكم العربي برعيته، والسياسي الفلسطيني بقضيته، والمسؤول الجزائري بعربيتِه، والمواطن في بلادي بهويته وشخصيته، فالكلّ يَغتال بطريقته وبمنهجيته، والكلّ يُزايد بانتمائه وبوطنيته.

فالشعب المستبَدُّ به يُغتال أبناؤه، بشتّى أنواع الاغتيال، من التّعذيب، والاغتصاب إلى تسليط السِّلاح الكيماوي، ولا ذنب له، إلاَّ أنْ يُطالب بالحق في العمل والتّداوي، وتحرير اقتصاده من الفساد والرّشاوى، واختيار مسؤوليه في الحكم  بالعدل والتساوي.

وهذا الشعب المشرَّد والمقسَّم، تُغتال إرادته بالعمالة والتَّقسيم، وبالتَّشرذم وسوء التَّنظيم، ورفض حكامه ما يفرزه الصندوق في التَّحكيم؛ لذلك طالت محنتُه، وتشوَّهت سَحنتُه، وتبدّدت طاقتُه وشُحنتُه، فطالت في المحنة مدّته، وهانت على الصديق والعدو قضيتُه.

وهذا المسؤول الجزائري الذي يغتال لغته، بعد مرور خمسين سنة من الاستقلال الوطني، وما علم أنّ الشهداء يُطِلون في الذكرى الواحدة والخمسين للاستقلال، من علياء جنَّتهم، وعلماء أجِلاء، يتساءلون عمَّا فعلنا بغرس نبتَتِهم، وعطر وردَتِهم.

ويحك! أمَا تخاف أن تَهلَك يوم يقال، يا شهيد! إنّه ليس من أهلِك، ويا عالِم! إنّه ليس من نسلِك.

فبأيِّ منطق نبرِّر  _في الجزائر- هذه الجرأة، على اغتيال لغة الجهاد، والاستشهاد، فنَدوسُ على مبادئ وأحكام الدستور، ونشجع بفعلنا ذلك المواطن والجمهور؟.

لقد صرنا _والله- نخجل من أنفسنا، عندما نرى اللّغة العربية تُغتال على واجهات المحلات، وهي التي كانت وسيلة تحرير التجارة والاقتصاد، وأداة تحرِّر البلاد والعباد، فماذا دهانا حتى عمَّ عقولَنا هذا الكساد؟ ومن يُحاكم التاجر الجزائري أو الأجنبيَّ الذي يَغتال لغتنا على واجهة محلِّه، ليكرسَ القُبح الثقافي في محيطنا، ويَلعن علماءنا وشهداءنا في مَخيطنا وهو لُبس وسيطنا وبسيطنا؟

ومن يُلجم هذه المعلمة المتحجبة التي تخاطب أطفالنا الأبرياء بلغةِ من قتلَ أجدادهم وأسلافهم؟ وسفَّه ذاكرة أمجادهم وأجدادهم؟.

تالله إنّها للعنة أبدية أصبناها، وما وجدنا لها من رقية سياسية أو دينية نرفع بها مقتها عنَّا، فالعنف اللّغوي تسلَّل _بعد ألسنتنا ومحلاتنا- إلى بيوتنا وغرف نومنا، فأصبحنا نغنِّي لأطفالنا بلغة “فولتير وموليير”، وتنكَّرنا للغة ابن باديس والأمير، فأيُّ مصير أصابنا، أسوأ من هذا المصير؟.

إنَّ مأساة العربية في الجزائر، هي القنبلة الموقوتة التي توشك أنْ تنسف استقلالنا وتوطئ للعملاء والخونة، ممن يتربصون باستقلالنا ويحلمون بعودة أسيادهم لحكمنا.

أصبحنا -في بلد المليون شهيد- ممن دعوا بحياة الجزائر العربية المسلمة واستشهدوا؛ أصبحنا نتوق إلى من يغرِّد في سماء بلدهم وأرضها بلغة جهادهم واستشهادهم، رمزًا للوفاء والإباء، وذكرى لجهد المجاهدين والعلماء.

إنّنا ونحن على أبواب الاحتفال بذكرى الخامس من يوليو؛ الذكرى الإحدى والخمسين للاستقلال الوطني، ندعو إلى عقد مؤتمر وطني شامل، يحضره كلُّ الفاعلين في الساحة الوطنية، الخائفين على الجزائر من الغد المظلم لدراسة هويتنا الوطنية المهدَّدة، بدءًا بلغتنا العربية المغتالة، وانتهاءً بوحدتنا الوطنية المقالة، يجب أنْ نخرج بمشروع سياسي، وطني، عملي، يعيد إلينا الأمل المفقود، ويحقِّق لنا الحلم المنشود.

وفي انتظار ذلك، يجب أن نبدأ من البداية، إكرامًا للعالم، والمجاهد، والشهيد، احتفالا بذكرى المجاهد المجيد، فنُفعِّل قانون اللّغة العربية، المجمَّد فعليًا، فنعطي المهلة لكلّ صاحب محلٍ لا يحترم لغتنا على واجهة محلِّه، بأنْ يغلَق محلُّه حتى يستجيب للمطلب الوطني الحتمي. كما نعطي توجيهات صارمة، لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة، أنْ لا يبثَّ أيَّ رأي أو حديث يخلط فيه صاحبه أو صاحبته، في هجانة بين لغات مختلفة. إنَّ في ذلك لتشويهًا لإعلامنا، ومساسًا بمثقفينا، واستهتارًا بقيمنا وثوابتنا.

إنّ من العار على المنظومة التربوية، والثقافية، والإعلامية في الجزائر أن تعجز، بعد إحدى وخمسين سنة من الاستقلال عن إيجاد مواطن نشأ بين أحضان الاستقلال، ولا يستطيع أن يعبِّر بلغة بلاده المستقلة.

بل إنّني أذهب إلى أبعد من ذلك، فلا يولَّى المسؤولية الوطنية، كلّ من لا يقدِر على استخدام لغة الوطن في المحافل الوطنية والدولية.

إنّنا نرسل بخطابٍ واضحٍ لا شفرةَ، ولا لُبسَ فيه، إلى كلّ ذوي الضمائر الحرّة في وطننا، أن يدركوا بأنّ وجه الوطن قد شُوِّهَ، سياسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا وأخلاقيًا، وعليهم أن يتنادوا مصبحين فيعملوا على إنقاذ الموقف قبل أن يُضيِّع جيل الصغار ما بناه الكبار، وأوّل إجراء إسعافي، هو فكُّ أسر اللّغة العربية من سجنها الذي أدَّى إلا اغتيالها، فيعيدوها إلى الواجهات المشوهة، وإلى الألسنة المرَقعة، وذلك أضعف ما يمكن أنْ يقدموه للشهيد في الاحتفال بالذكرى الواحدة والخمسين للاستقلال الوطني.

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
16
  • منصف

    كلامك يا أستاذ عين الصواب و لكن قد أسمعت لو ناديت حيا لا حياة لمن تنادي

  • عبدالكريم السائحي

    لحققو ا بعض ما حققه الصادقون رغم قلة الإمكانيات، و خطورة الظروف و شراسة العدو، و أعني بذلك رجال الجمعية وقت الاستعمار.
    إن العيب فينا وهنا و عجزا. و لاأرى لذلك علاجا إلا الإقرار أولا بالمسؤولية الأولى عن هذا الوضع ثم بذل الوقت و الجهد و المال للتغيير و عدم استعجال النتائج و البعد كل البعد عن النشاطات الاستعراضية التي ثبت العزوف عنها و عدم نجاعتها.

  • عبدالكريم السائحي

    إن نجاح أي فكرة و انتشارها يتوقف علىصدق الإيمان بها و قوةالنضال من أجلها. كما أن الصعوبات و الشدائد في التي يواجهها المجاهدون من أجل أفكارهم ضريبة طبيعية يدفعونها لتحقيق أهدافهم. و إذا غابت التضحيات فإن بلوغ الغاية يصبح أمنية جميلة تتقاذفها المعوقات و العراقيل وتغتالها المؤامرة.

    أعتقد أن استعادة العربية لوضعها الطبيعي في بلدها لا يعدو أن يكون أمنية وردية يحلم بها بعض من يدعي الغيرة على لغة الضاد، و لايحركون ساكنا لتحقيقها إن لم يشاركوا في الغدر بها. لو صدق العزم منهم حقا لحققوا بعض (يتبع)

  • حنصالي

    اعطيك مثال بيسط عن الفوشى المعرفية والمسار المتخبط العشوائى

    سمعت مؤخرا ان الدراسات المستقبلية وبعض الافراد الذين يصلون الى موجات فى المجرة لقصد قراءات المسار الموازى
    هم بذالك يعطلون قدر الله

    هل هذا المنطق السخيف يدخل العقول انسان بسيط يعطل قدر الله او حتما كان مقضيا ولو انى كسخص ارتكبت اخطاء وتبت منها لعدم وجود الناصح والمرشد

    انا كنت دائما اشدد على الانغلاق لاننى ادرك جيدا الثقافة العربية ما ستجنيه علينا لما فيها من نواغس تعيق التقدم وعدم وجود معالم ولهذا لاالوم المشرق والمغ

  • حنصالي

    بعد ضرب امريكا لليابان اجتمع القادة فى كيفية الرد الا ان حكمة الامبراطور كانت بليغة

    جمع كل الحطام فى الساحة وجلس فوقه يخاطبهم نحن اخطئنا فالقوة الحقيقية هى قوة العقل وان اردتم ان تثؤروا لليابان فلننافس امريكا معرفيا و اقتصاديا وفكريا

    وبالفعل اليابان فى فترة وجيزة استطاعة ان تصل الى تانى قوة فى العالم ومنافس قوى لامريكا

    ولهذا العرب قلوبهم شتى لم نستطع ان نصل الى مصدر الوباء اين هو والكل ينشد الحرية والعزة والتطور
    وحين يرجعون الى انفسهم يقولون انا كنا مستهزئين
    فهناك اشياء لابد ان ت

  • احمد

    الله يكثر من اثالك يا استاذ اين القرار السياسي الذي يعيد لهذه اللغة (الكنز ) التي للاسف لانعرف قيمتها فهي منحة من الله الى الجزائريين ولكن ضيعوها وجمدوها المسؤولين بدون ضمير ولا حياء (...يمكرون والله خير الماكرين ) كل اصحاب القرار ضد هذه اللغة التي اختارها المولى سبحانه وتعالى من سبع سنوات من وزارة تقافة الى وزارة تربية التي اصبح التلميذ يتلقى دروسه حتى درس اللغة العربية بلغة الشارع الى اين نحن ذاهبون ؟!.

  • mouloud

    ....بعث روح الأمة وأخرجوا جيلا يقرأ العربية ويصدر بيان أول نوفمبر يعلنها ثورة على الظلم والظالمين فجاء الإستقلال والحرية ،لكن شياطين الجن والإنس أنسوا المجاهد والمقاتل سلاحه الأول والأنجع (سلاح اللغة العربية ، لغة الدين والوطن) لمواصلة مسيرته لبناء الوطن بنفس روح القوة والإنتماء للتاريخ والوطن.

  • mouloud

    السلام عليكم:
    شكرا السيد الدكتور قسوم على هذه الإلتفاتة الجميلة إلى اللغة العربية ( لغة الدين والوطن)، ولكن للأسف الكبير إلتفاتة متأخرة جدا جدا بالنسبة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين حيث كانت اللغة العربية السلاح الإستراتيجي والوسيلة الأنجع الذي حارب وجاهد به شيوخنا العظام ( بن باديس، الإبراهيمي ، العربي التبسي ،......إلخ) ، السلاح الذي يجهله العدو لكن كان يعلم خطره على وجوده ، فحاربه بشتى الطرق منذ أن وطأت قدماه هذه البلاد. و كانت الكلمة الأخيرة للرجال الصناديد الذين نجحوا في .....

  • optissimo

    لمن هذا الخطاب يا أستاذ. ألم تر أن الوزير الأول ( و هو المسؤول الأول في غياب الأول) قد خاطب مجلس النواب بلغة مظيف الرئيس المريض في و قت تكلم فيه سيده التركي بلغة مصطفى أتاترك؟ إ نها العصا ( الخيزرانة) عوجاء من أعلاها.

  • wafa

    قال أحد المسؤولين يومًا لأحد الموظفين معي c'est busart أن أجد مهندسًا لا يتقن الفرنسية فأجابه le plus busart أن تجد موظفًا عربيا لا يتكلم العربية. و الله أعجبني كلامه كثيرا . و نعم المقال كتبت مشكور سيدي.

  • دزيري و فقط

    انتم العروبيون و الفرانكفونيون وجهان بشعان لعملة واحدة
    فعوض الانطلاق من خصوصيات الشعب الجزائري والبناء عليها لتكوين شخصية دزيرية مميزة و محصنة لغويا و ثقافيا. قمتم بفرض صراع لغوي و ثقافي غريب على الجزائريين باسم الحداثة و التطور بالنسبة للفرانكفونيين و باسم الدين و امور اخرى فيما يخص السلفيوعروبيون.
    النتيجة انسان جزائري مسخ. لا شخصية له و لا هوية تحميه و تحصنه.
    فلا خصوصياته المحلية حافظ عليها
    ولا اللغة العربية"المشرقية" تمكن منها
    ولا اللغة الفرنسية استفاد منها
    من لا شخصية له لا حضارة يبني

  • الطاهر

    ان هوا الا الاستحلال الحديث (حل محل او مكان الموجود) في الاستدمار التقليدي كان المستدمر يبعث بجنوده وعتاده وفي الحاضر فما عليه الى ان يستعمل المال وابناءه المندسين بيننا
    ليسترجع مادفعه اضعافاً(فاطورة المستشفيات الفرنسية للمرضى الجزائرين 500 مليون اورو واخرها فاطورة رئيسنا شفاه الله)
    وأزيدك سيدي انه ذهبت لاستخرج سجل تجاري فطلب مني تسمية الشركة إقترحة 400 اسم عربي جزائري فرفضت بحجج انها موجودة. فقترحة الحروف (ب س د ) استخرجة السجل التجاري باللغة العربية وكانت الصدمة الكبرى اسم شركة بي سي دي

  • إسماعيل الجزائري

    أضم صوتي لصوتك . . و أغرد بما تغرد . . و أشد على يديك . . لقد بحّت حناجرنا . . و كدنا أن نفقد الأمل، بل قد فقدناه!

  • سليم

    اللّغة العربية ماتت في الشرق الأوسط قبل أن تموت في الجزائر.

  • التلميذ

    لايمكن أ ن يسمح المثقف الحرّ أن يداس الطرف ،أو يمارس الحيف والزيف على لغة القرآن الكريم ، لأنّ بدونها أيتام على موائد اللئام.

    إنّ ديباجة "أرسلان"و فصاحة "سحبان" وإشراقة وبصائر " الإبراهيمي" و"عبقرية "العقاد"و وحي" الرافعي" لن تموت ولن تذوي في نفوس عشقت الحرف العربي حتي النخاع، فأشرق معها الإبداع والإشعاع والإمتاع.

    بقلم: البشيـــــــــــــــــــــــر بوكثيـــــــــــــر رأس الوادي

  • الجزائرية

    الامر لا يستدعي كل هذا العويل ـ على الاقل ـ فيما يخصنا يا شيخنا فخطوة جريئة تتكاتف فيها جهات معلومة كالمجلس الاعلى للغة العربية مع جمعيتكم الموقرة و بعض البرلمانيين الفاعلين و بعض جماعات المجتمع المدني و تكونوا هيئة عملية في الميدان تنشط مع الجماعاتl المحلية لاعادة تعريب المحيط من اسماء المحلات و المتاجر و الشوارع و المحطات الخ...سواء بالعاصمة او بقية المدن ولا اظن ان هنا من يعترض لانه سبق و ان راينا هذه التجربة في بلدنا لكنها لم تكتمل والمسؤولية تقع علينا جميعا .