اللغة العربية.. العائق الأكبر للعولمة الممنهجة!
استوقفتني كلمة للعالم اليوغوسلافي الشهير الدكتور أحمد إسماعيلوفتش قال فيها: “عندما زار الرئيس تيتو القاهرة وكنت مديرا للمدرسة اليوغوسلافية في القاهرة، سألني عما إذا كان أبناؤنا يدرسون العربية فأجبته بالنفي، فقال الرئيس تيتو: لابد أن تكون العربية ضمن البرامج، ولابد لأبنائنا من تعلم اللغة العربية لأنها لغة المستقبل”.
إن كون اللغة ستتبوأ مكانها الطبيعية اللائقة بها في المستقبل وتصبح لغة عالمية هي حقيقة، وهذه الحقيقة تستند إلى أساسين اثنين: أولهما أنها لغة الدين الذي سيظهره الله على الدين كله “هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله“.
وثانيهما أنها مهيأة ذاتيا لحمل هذه الرسالة الدينية الحضارية الإنسانية العالمية..
وهذه الحقيقة عبّر عنها العلماء والمفكرون النزهاء والزعماء المتبصرون من مختلف بقاع الأرض. ولأنها كذلك فقد أصبحت في نظر من ابتدعوا “الإسلاموفوبيا” خطرا على الغرب وحضارة الغرب، لأن منطق “العولمة الممنهجة” يقول: من تميّز عنا حضاريا وثقافيا ولغويا كان خطرا علينا ولما كان الكيان الإسلامي هو الأكثر تميزا عن الغرب وحضارة الغرب ققد أصبح هو “العائق الأكبر” أمام أهداف العولمة، والمستهدف في الدرجة الأولى هي اللغة العربية باعتبارها لغة هذا الدين.
وإذا ما جئنا لنرصد مختلف الأساليب والمزاعم والتهم الذي يروّج لها أعداء هذه اللغة فإننا نجدها على قسمين: قسم يركز عليها هي كلغة، من حيث طبيعتها وخصائصها ومؤهلاتها الذاتية وقسم يركز على أهلها الناطقين بها.
ولعل المتتبع لهذا الموضوع يلحظ من دون شك الوعي المتنامي بهذه المخططات الرامية إلى ضرب اللغة العربية، والعزم على دحض حججها علميا بفضل ما يعقد من ملتقيات علمية متخصصة، عربيا ودوليا، وبفضل ما وضع في هذا المجال من بحوث ودراسات أكاديمية، تمكنت من حصر هذه المزاعم بصفة عامة في النقاط الآتية:
أن اللغة العربية فقيرة إلى المصطلحات العلمية مما يجعلها غير قادرة على مواكبة التطور العلمي التكنولوجي السريع، وأنها لغة تعاني تضخما في المفردات والمترادفات كتعويض على الفقر العلمي الذي تعانيه، وكذا صعوبة قواعد هذه اللغة لتعقّد النحو العربي أصلا، إلى جانب استعصاء شكلها أي حروفها عند الطباعة مما يحدّ من انتشارها وتطورها، وهذا كله يشكك في قدرتها على أن تكون هي لغة الثقافة المشتركة للمجتمع العربي والإسلامي على اختلاف اللهجات المحلية، باعتبارهم يشكلون جماعة لغوية واحدة، كما يقول علماء اللغة، وهي أكبر رابطة وأقواها تستطيع أن تضع كيانا حضاريا متوحدا متماسكا قويا ومتميزا..
ولا يخفى أن ارتباط العربية بالإسلام هو الذي جعلها تتعرض في تاريخها الطويل للعداء نفسه الذي واجهه الإسلام في مختلف مراحل تطوره، فأعداء العربية لم يكد يخلو منهم عصر أو جيل، ولم يخفف من حدة عداوتهم لها ما يرون ويسمعون من أبناء جلدتهم، من المنصفين للإسلام والعربية، من تقدير وثناء وإعجاب..
وإذا كانت مواقف هؤلاء الخصوم، القدامى والجدد على حد سواء، واحدة، فإن الأساليب المنتهجة هي التي تتجدد وتتطور بطبيعة الحال، فهم إذا كانوا يتفقون على أن اللغة العربية هي أساس كيان الأمة المحمدية فإن مخططاتهم للنيل منها والتموين من شأنها صرف أهلها عنها وترغيبهم في غيرها متنوعة كثيرة.
يقول الباحث المتخصص في هذا المجال الدكتور سعيد العربي موضحا إدراك الأعداء لهذا الترابط الوثيق بين العقيدة واللغة وسعيهم لهدمه “لقد أدرك أعداء الإسلام حكمة وجوب قراءة القرآن في الصلاة، بما يعني أن العربية هي لغة المسلمين جميعا، فأرادوا أن يظاهوها بإيجاد لغة عامة للبشر أجمع سموها: “الاسبرنتو” يزعمون أنهم يريدون تقريب التفاهم بين الشعوب الإنسانية، ولكن من عرف مبادئ هذه اللغة يفهم أن المطلب هو إحياء اللغة اللاتينية التي كانوا يسمونها لغة العلوم، وهي اللغة الدينية المسيحية، وإنما جعلوا عنوانها لغة البشر لكي يوجّهوا المسلمين كغيرهم إلى الاهتمام بها وبذل العناية فيها، علما منهم أن للغة تأثيرا كبيرا في التغيرات الفردية وانقلابات الجماعات والأفراد“.
والجدير بالملاحظة هنا أن هذه الحملات المشككة في قدرة اللغة العربية على البقاء تركز على خصائصها الذاتية كلغة وعلى مؤهلاتها الذاتية، بينما يقتضي المنطق أن يتوجه النظر إلى أهلها لأن اللغة، أيّ لغة، إنما تقوى وتزدهر بازدهار أهلها وتضعف بضعفهم.
يقول الدكتور ابراهيم السامرائي “العربية إحدى اللغات الحية، وهذا يقتضي أن نفهم ونسلّم بأنها لغة متطورة تخضع لما تخضع له اللغات الحية عامة، وهي إحدى اللغات السامية، اندثرت معالمها وامحت أصولها، فلم تبق إلا هذه اللغة القديمة.. ولقد كانت سيدة لغات العالم القديم خلال قرون متلاحقة ابتداء من القرن السابع الميلادي“.
والحقيقة الكبرى التي يؤمن بها كل مسلم والتي تظل فوق أي مراجع أو جدال، أن الله سبحانه قد تكفّل بحفظ كتابه الذي أنزله بهذه اللغة، فالحرف العربي محفوظ ما في ذلك شك إلى يوم الدين، والمسألة إذن لا تتعلق بالعربية كلغة وإنما تتعلق بأهلها المسلمين، عربا وعجما، فهم المدعوّون إلى أن يجعلوها – مثلما كانت بالأمس أيام مجدها وريادتها – لغة العلم والمعرفة في العالم.
وعندما نتحدث عن مستقبل العربية ومكانتها بين لغات العالم وعن مزاعم المخططين من أعدائها لتقويضها، ينبغي أن يكون حديثا متكاملا يشمل ضغوط العولمة وتخطيطات أعدائها ويشمل في الوقت نفسه تقصير أهلها وسلبيات الواقع الذي تعانيه..