-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أقواس

اللغة العربية: من لغة للعلم إلى لغة للمخابرات

أمين الزاوي
  • 8125
  • 1
اللغة العربية: من لغة للعلم إلى لغة للمخابرات

وأخيرا وصل الأزهر بمقصه إلى ابنه، وصلت شرطة الأزهر إلى عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي ينام في خلد ربه منذ أزيد من ثلاثين سنة (1973)، هذه المرة جاءت شرطة شيوخ الأزهر لتوقظه وهو في عالمه الآخر، توقظه على كابوس مرعب، إذ وبعد مرور أزيد من ثمانين عاما على صدور روايته السيروية الأيام )نشرت عام (1929 أمرت بسحبها من مناهج المرحلة الثانوية، وأمرت بوقف تدريسها بحجة أنها تسيء إلى الأزهر وشيوخه.

العالم يتقدم إلى الأمام ونحن نتقدم ولكن إلى الخلف، فما كان يكتبه طه حسين منذ قرن أصبح مقلقا لعقلنا اليوم، ما كان يكتبه هذا الديكارطي في ظل الملكية أضحى يهدد أمن العقول  في ظل نظام يسمى ديمقراطية وفي زمن العولمة والقرن الواحد والعشرين؟

أنا متأكد لو أن طه حسين قام من قبره اليوم وقرأ تقرير الأزهر وتوصيته لأصيب بالدوار أو الجنون. وحين يكون  هكذا حال العقلية التي تسير مؤسسة دينية يفترض فيها أن تكون متسامحة، ويفترض فيها ابتعادها عن التعاطي والتعامل مع الإبداع الذي يخضع لمنطق آخر غير منطق الشريعة والفقه، وحين يكون حال النصوص المدرسة في الثانويات مهددة ومنتهكة الحرية، فيكف يا ترى يكون الجيل الجديد الذي تخرجه هذه المدارس؟

إن مدرسة بدون نصوص أدبية قادرة على طرح الأسئلة وبدون نصوص كفيلة بتعليم النقد والحرية، هي مدرسة تكون أجيالا للتطرف وتخرج مرشحين لتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات المتعصبة القاتلة.

إن حالة منع كتاب الأيام لطه حسين مِؤسفة، كتاب قرأناه وقرأه أجدادنا وآباؤنا بمتعة، وقرأه العالم من خلال ترجمات كثيرة، وبمقدمة كاتب مثل أندري جيد. إلا أن حالة هذا الكتاب ليست معزولة، بل إنها تدل على سيطرة عصر الانحطاط الجديد. ثلاثة أجيال قرأت كتاب الأيام لطه حسين ولم تنزعج ولم تجد فيه ما يمس بمقتضيات الحال من حيث أنه نص روائي تخييلي له من هامش الحرية أكثر مما لغيره، حتى وإن كان النص مؤسسا على قاعدة و منطق السيرة الذاتية. ما تعرض له كتاب الأيام لطه حسين من قبل الأزهر يدل على  حال تراجع حرية التعبير في العالم العربي بمسافة قرن من الزمن الثقافي. هل يمكن تصور كاتب معاصر  يتجرأ الآن على تأليف كتاب مثل “الروض العاطر في نزهة الخاطر”، أو “فصل المقال”، أو “رسائل القيان” ،أو “امرأتنا بين الشريعة والمجتمع”، أو حتى “تحرير المرأة” دون أن يتعرض للمنع أو التخوين أو التكفير؟ إن الثقافة في العالم العربي ضحية الاستهلاك من جهة والتعصب من جهة أخرى.

حادثة منع كتاب الأيام لطه حسين الذي كنا نقرأه دون حرج سياسي أو أخلاقي أو لغوي أو فكري بين أفراد الأسرة الواحدة، الأسرة الصغيرة والأسرة الثقافية، هي حادثة تبين عن مأساة اغتال اللغة العربية من قبل أهلها أو من تبناها من غير أهلها، فإذا كانت هذه اللغة العربية الجميلة قد استطاعت في زمن ما و من خلال المصادر التي اعتمدها طه حسين في تكوين شخصيته المثقفة من أمثال: أبي العلاء المعري و ابن خلدون والشعر الجاهلي، استطاعت أن تكون ذات زمن بفضل علمائها وجرأة فقهائها وسعة الحوار في فضائها الثقافي والمعرفي، استطاعت أن تكون لغة العالم وسبيلهم إلى المعارف فإنها اليوم وفي ظل هذا الحصار على ما يكتب فيها وبها  تحولت إلى لغة تثير الشك والريبة وترادف الإرهاب والتعصب.

كانت اللغة العربية في القرون الوسطى يتم تعلمها من قبل الآخر في الشمال أو الشرق لغرض علمي ولفضول المعرفة التي كانت تنتج في هذه اللغة وأيضا الترجمات التي كانت الحلقة المركزية لتوصيل الفكر اليوناني إلى العالم الجديد، إلا أنها اليوم تتعلم من قبل الآخر خوفا من أهلها ودرءا للشر والتطرف والإرهاب القادم من فضاء هذه اللغة.

لقد برمجت كثير من الجامعات الأمريكية والأوروبية تدريس اللغة العربية، وبدا الاهتمام بها بشكل واضح، لكن هذا الاهتمام هو أمني أساسا. فتعلم اللغة العربية ولهجاتها اليوم ، في الغرب، هو لغرض أمني أساسا ولا علاقة له بالمعرفة أو التثقف أو الإطلاع العلمي على ما يجري في مجال الحراك الثقافي العربي )ليس هناك حراك أصلا( .

إن حالة منع كتاب مثل كتاب الأيام لطه حسين وغيره كثير هو الذي ولد حالة من الانحباس الثقافي والعطب في حرية الرأي وبالتالي صناعة الفرد العربي وليس الإنسان العربي، صناعة نمطية قائمة على رؤية واحدة  متعصبة وانتحارية ودون مستقبل، وهذه الممارسة التي تتستر باسم الدين هي التي جعلت اهتمام الغرب بالعربية ينتقل من باب العلم إلى باب الأمن. فالجامعات الأمريكية والأوروبية التي تدرس العربية جميعها تخرج إطارات توظف لصالح المؤسسات الأمنية والعسكرية والبوليسية والمخابراتية. لقد أصبحت العربية في مخيلة العالم صورة عن اللغة الأولى التي تحمل ثقافة الإرهاب بعد أن كانت اللغة التي حملت الفلسفة اليونانية والرياضيات و المنطق والطب.

يجب قراءة ظاهرة منع رواية صدرت ودرست وطبعت مئات المرات قراءة في بعدها الشمولي، إذ أنها تبين تراجع العقلية التي تهيمن على المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر، كما أنها تبين أيضا ثقافة الخوف من كل تغيير أو نقد يمس التقليدي في واقعنا، كما أنها أيضا تريد أن تجعل من الماضي بديلا عن حاضرنا ومستقبلنا، وهذا هو الذي يزرع الفتنة ويثير التعصب ويمنع المجتمع من التقدم الثقافي والفكري والحضاري، وممارسة المنع هذه تجعل الإنسان العربي في قطيعة مع الآخر، فهي تعلمه أن يخاف من هذا الآخر وأن يرفض الحوار معه.

أمام منع كتاب كالأيام  لطه حسين الذي يشكل جزءا أساسيا من ذاكرتنا القروئية، على المثقفين اليوم أن يشكلوا صفا واحدا، متراسا ثقافيا صلبا ضد أعداء حرية التعبير الذين يتسترون تارة بالدين وتارة بالدفاع عن فلسفة منطق الدولة. وللخروج من هذا النفق الذي يبدو طويلا ومظلما كثيرا، على المثقفين مطالبة الجهات التي تقف وراء هذا المنع أن تحدد وبشكل واضح ما هو الممنوع وما هو المسموح به في هذه الجغرافيا العربية المهزومة، وأن تنشر ذلك على الملأ، وبموجب ذلك النشر يفتح نقاش بين المثقفين حول هذه الحدود وأسبابها ومقتضياتها. فلا أحد يحب الدين أو الوطن أكثر من أحد، ولكن على الجميع أن يعترف للجميع بأن من حق كل أحد أن يحب الدين والوطن بطريقته الخاصة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • Agour

    Merci monsieur Zaoui, vous resté toujours cet homme de culture digne , si au moins il existe des milliers de gens comme vous pour dénoncé et éradiqué cet vermine de relégieux qui nous tire vers l'arriére, moi je suis kabyle , j'ai appris l'arabe à l'école, j'aime la lecture et les livres, je suis trés curieux, mais svp expliqué moi qlq chose qd je lie un livre de chez nous en arabe on dirai que les auteurs de cette langue sont complétement différent des écrivaints en français, pas d'imagination, pas de critique pas de texte pértinant, ils tournent autour du pot, bcp de flou dans lleurs ésprit, par contre nos écrivains en français sont reconnu mondialement, j'ai rencontré des gens en amérique du nord qui connaissent Nedjma de kateb yacine ils sont impresionné par notre culture, à qund un kateb yacine en langue arabe?? je pense pas que dans l'état actuel des choses cela va changé, car la langue arabe est scotché au discour relegieux integriste, ya aucune production critique de la société qui ce fait avec, cet langue va resté une langue de zaouia, une langue des demunis des analphabete, aucune production scientifique depuis 6 siecle déja, à apart qlq craque comme vous monsieur tah hussein, adonis, najib mahfoud,,,,ect le réste ces des intelectuel de caverne, povre langue arabe, franchement c'est malheureux que on arrive là, mais bon, je pense que méme si l'état va donné les méme moyen à la langue berber en algerie que l'arabe dans 20 an la langue amazigh va dépassé cette langue, je pense que le probléme ce n'est pas au niveau de la langue elle méme, car l'arabe aussi à sa place dans le monde, seulement tous sa ce passe au niveau des téte des gens, une langue veihcul le vecu des gens et leur état d'ésprit, et la langue arabe si elle est sinonyme de voilence et de terrorisme c'est que qlq part les téte qui pense avec cette langue sont ainssi féte, donc conclusion : si jamais on sort pas la culture et la langue arabe du jougue relegieux elle demeura dérniére méme sur c'est propre terre, de la à parlé d'une langue de savoir c'est une autre paire de manche alors messieurs les relegieux occupé vous des 5 RDV journalier, laissé la science la critique le s,avoir au gens de science vous nous féte reculer des ciecles en arriére , merci monsiur zaoui
    aderball_13@hotmail.com