المأزق الليبي
الوضع في ليبيا أصبح غير قابل للانفراج على المدى المنظورة على الأقل، والأمر الذي أريد له في البداية أن ينتهي خلال أيام أو أسابيع أصبح أمامه بحسب المراقبين قدرا غير معلوم من الوقت وكمّا غير محسوب من النتائج…
-
وحتى أمريكا وفرنسا وبريطانيا وبقية شلة التحالف الدولي والحلف الأطلسي أصبحت لا تعرف ماذا يريد من تدخلها الإرهابي السافر في هذا البلد الصغير الذي كان ذات يوم آمنا، والجري وراء اقتسام النفوذ وثروات ليبيا من المحروقات على أهميتها لم يعد مبررا لهذا الفعل العنيف والسافر والظالم، كما لم يعد قائما تبرير الدول الغربية في حماية المواطنين مما سمي كتائب القذافي بعد أن أصبح هؤلاء المواطنين بمن فيهم الأطفال الأبرياء يموتون بالمئات يوميا تحت القصف الهمجي لطائرات الحلف، وحتى هؤلاء الذين يدعون أنهم ثوارا لم يسلموا من هذا القصف أو النيران الصديقة التي تحصدهم مجموعات مجموعات وهم يرفعون شعار عليّ وعلى أعدائي ولا يرون ضررا في الموت تحت هذا القصف ما دام يستهدف كذلك كتائب القذافي وهياكلها ووسائل دعمها وكل ما له صلة بالمنشآت والبنايات مهما كان طابعها.
-
فما هي هذه الثورة التي تريد التحرر من استعمار القذافي كما تقول وتسقط في أحضان استعمار تقليدي أجنبي لا يرحم إنسانا أو أرضا أو أي كائن، وما هم هؤلاء الثوار الذين جعلوا الثورة منذ البداية مجرد ألعاب نارية يستعملون فيها كل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة وحتى الطائرات وراجمات الصواريخ بعد أن فتحت لهم أبواب مخازن السلاح على مصراعيها من قبل مجموعة من الانقلابيين والقطط السمان الذين كانوا حتى عشية هذه الثورة ينعمون بالحياة والمسؤوليات في بلاد معمر القذافي، فكل من يطل على العالم اليوم من وراء كاميرات التلفزيون هم من رحم النظام الليبي تكشف الآن أنهم حاولوا تنظيم انقلاب بلباس الثورة ليفلتوا من المبادئ الدولية الجديد التي ترفض الوصول إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية أو البقاء فيها بقوة السلاح.
-
لكن ما كان مجرد ألعاب نارية يتحول بعد شهور قليلة إلى محرقة حقيقية لا ينجو أي شيء من لهيبها في ليبيا وحتى الثوار الذين سعدوا في البداية بالوعود الغربية أصبحوا يقتربون بسرعة البرق من كل المآسي والشرور، فأصبحوا يهتمون بتوجيه نداءات الاستغاثة من نقص السلاح والغذاء والماء أكثر من اهتمامهم بمواجهة الكتائب، وبدل إنجاز الثورة أصبحوا يشكلون مأزقا حقيقيا ليس لليبيا فقط ولكن لكامل المنطقة بتصرفاتهم الصبيانية وتصريحاتهم العشوائية وتوزيعهم للاتهامات، كما اتفق على شعوب المنطقة فيما تعمل قوى الشر والطغيان على تحويل ليبيا إلى عراق جديد وأفغانستان جديدة وأكثر من ذلك.