-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المؤامرة

التهامي مجوري
  • 2671
  • 3
المؤامرة

عندما يصاب المجتمع –أي مجتمع- بالعجز عن فهم القضايا، التي تحيط به أو التي لها علاقة به وبمحيطه، فإن أقرب طريق له للتخلص من التفكير فيها، وفي أسبابها ودواعيها، هي المؤامرة والفعل المخابراتي، ومن ثم التحلل من أية مسؤولية اتجاهها.

ويكفي المرء أن يقول عن أمرا ما، أن من وراءه المخابرات، أو التآمر الدولي، او إرادة الدول العظمى، حتى لا يكلف نفسه عناء المتابعة وتحمل المسؤولية تجاه ما ينبغي فعله استعدادا لانعكاسات هذا الأمر على الواقع بالسلب والخسران.

ففي التنظيمات السياسية والجمعوية، كل من تعرض لفكرة مخالفة لما هو سائد من مفاهيم وبرامج وإضافات، فمصيره الإبعاد والتهميش والتحذير منه حتى لا تنتقل عدواه إلى غيره من الناس؛ لأنه عميل أو مدسوس ومخترق للصفوف..

وعلى مستوى النظم السياسية والاجتماعية، التي انشئت على أسس وطنية على أنقاض النظام الاستعماري، وكان مفترض فيها أن تكون الدولة الوطنية النموذج، فإنها كانت في العقود الثلاثة –من الخمسينيات إلى السبعينيات-، تعيش مأساة تسيير الدولة بعقلية الثورة، التي تفرض الإبعاد والتهميش والإقصاء؛ بل والتصفية الجسدية أيضا، بمجرد الشبهة، وهذا وإن كان مقبولا في الثورة باعتبارها في حالة حرب ولا وقت لها للتحقيق والبحث عن الأدلة، فإنه غير مقبول في دولة بأجهزتها التنفيذية والقضائية والتشريعية، ولكن لما كانت العقلية السائدة هي منطق التخلص من الخصوم، فإن كل تنظيم أو شخص أو فكرة مخالفة لطروحات النظام السياسي، فهي بالضرورة مؤامرة على النظام وعلى الشعب، وفي أحسن الأحوال، يعرض على التنظيم والشخص والفكرة، الالتحاق بالنظام، ليتحول المخالف والمعارض، إلى صاحب طرح ضعيف ضمن مئات من الأفكار الموالية فيتميع.

وحتى على المستوى الدولي فإن منطق المؤامرة، هو الذي تبني عليه الدول العظمى اعتداءاتها على المستضعفين، لأن هؤلاء المستضعفين هم المؤهلون لقبول هذا المنطق، ولا أجد شاهد على ما أقول أفضل من “فكرة محاربة الإرهاب” التي أسس لها الأمريكان في سنة 2001، كمبرر يعلق عليه الأمريكان جميع اعتداءاتهم وتصفية حساباتهم في العالم، فأسقط صدام حسين وفتح باب التفاوض الفعلي مع إيران حول اختلافاتهم منذ 1979، وقضي على طالبان التي أضحت تهدد حقيقة منظومة الغرب، والتي رغم سذاجة القائمين عليها، إلا أنها أصبحت تمثل الأرضية المستقلة عن إملاءات الغرب، والخارجة عن فضاء الرقابة، ومن ثم تصلح لأن تكون قاعدة صلبة لكل فكل مغاير تماما للغرب المتغطرس.

ترسخت هذه العقلية عندنا في العالم الإسلامي، من شدة الخوف من الاستعمار ودسائسه، حتى أضحى الاستعمار نفسه يستثمر فينا من هذه الناحية، حيث لا يحتاج إلى جهد كبير ليقنعنا بفكرة يريدها، وإنما يكفيه ان يلصق بفكرته مصطلحا شرعيا حتى يجتمع عليها المسلمون من كل حدب وصوب، وقد لاحظنا ذلك في الجهاد الأفغاني الذي كان في جوهره تصفية حسابات مع نهاية الحرب الباردة بين الأمريكان والاتحاد السوفييتي، فقد التحق به الشباب العرب وغير العرب تحت عنوان الجهاد لتحرير بلد مسلم من غزو كافر، وتحقق النصر، وفرح العالم كله بهذه الهزيمة التي مني بها الاتحاد السوفييتي يومها، وقد سقط بعدها النظام الشيوعي، ولكن فرح المسلمين كان بتحرير أفغانستان، اما باقي العالم فقد فرح بسقوط الاتحاد السوفييتي.. وكذلك الأمر هذه الأيام مع تنظيم الدولة الإسلامية للعراق وبلاد الشام، فهو تنظيم يؤطره مئات من الشباب المسلم الناقم الذي لم يجد في بلاده موقعا له، فهو يضحي اليوم كما ضحى غيره أيام أفغانستان، ولكن الفارق بين الحالتين، ان الفريق الأول كان ينفذ عمل يقره اتجاه، في محاربة اتجاه ثاني يراد إسقاطه، اما اليوم فتنظيم الدولة الإسلامية، يقوم بدور مشبوه، وهو من أقدر الناس على تنفيذه؛ لأنه في مواجهة نظم فاسدة وانتصار لمفاهيم وأفكار يؤمن بها، ولكن النهاية والانتصار سوف لا تكون لطرف مظلوم على طرف ظالم، وإنما سوف تكون لإضعاف المنطقة برمتها، والتخلص من هذه الأعداد الهائلة من المجاهدين التي لا زالت تتدفق على المنطقة؛ لأن بقاءها هو الذي يهدد إسرائيل فعلا، وفي نفس الوقت توظف جميع الأوراق التي تحق هذا المقصد أو ذاك..

إن المتآمر موجود.. والمؤامرة موجودة وهي من أفضل المعارك التي تحبذها المخابرات.. والمتآمر عليه غير خاف، ولكن الاحتياط من المؤامرة ليس له إلى حد الآن إلا هذه الأساليب الساذجة التي أشرنا لبعضها في صدر هذا المقال؟

والعالم الآن مفتوح، وطبيعة التعامل معه تفرض قيما جديدة في التعامل، وهي كثيرة ولكن لا بد من الإشارة إلى أهمه،ا مما لا نهتم به بالقدر الكافي وهي المعرفة، حيث أن المعرفة الآن استولت على الكثير من الجوانب الآخرى التي كنا نرى أنها ضرورية، وفي دراسة حول طاقة الشباب وأهميتها في التنمية، يقول صاحب الدراسة أن نسبة المعرفة في عالم اليوم هي 94 بالمائة، و1 بالمائة للمواد الأولية، و5 بالمائة أعمال تقليدية وتصنيع، فالمواد الأولية -الخام- التي كانت هي الأساس، الآن وبفضل المعرفة يستغنى عن أغلبها؛ لأن العلم فكك تلك المواد الخام، وتعرف على عناصرها ثم عمل على إعادة انتاجها بتركيبات كيمياوية جديدة، وفي عالم الزراعة لا توجد منطقة غير قابلة للإنبات؛ لأن التحكم التكنولوجي، مكَّن الإنسان من إيجاد أي مناخ اصطناعي بحيث ينبت كل شيء في جميع الفصول؛ بل إن وسائل النقل والاتصال المتطورة مكنت الانسان من الحصول على أي شيء من أي مكان..

وعندما نصل إلى هذا المعنى، فإن المؤامرة تصبح ليست هي الخطيرة، وإنما الخطر في التحصيل المعرفي الذي تصاغ به المؤامرات؛ لأن المعرفة اليوم هي رأس المال الأول، ورأس المال الأول هذا، هو أول ما ينبغي استحضاره في جميع المجالات، في النظر إلى الأمور، وفي التنظيم الذي ننشط فيه، وفي نظرتنا للنظام السياسي وكيفية التعامل معه، وفي نظرتنا للعالم ومستوى مصالحه ومصالحنا معه، وكيفية التفاوض معه وفي النظر إلى الوجود أصلا..

فمن السهل القول أن الحراك الذي شهدته المجتمعات العربية، عبارة عن مؤامرة أمريكية على العرب وعلى المقاومة ضد الكيان الصهيوني.. ولكن ليس من السهل الإقرار بأن هذه الأنظمة التي ثارت عليها شعوبها، تملك قدرا من الشرعية يسمح لها بحق المواطنة، فضلا عن البقاء في الحكم. وإذا سلمنا بأن الغرب يريد بقاء الاضطراب في الشرق الأوسط، ومن ثم يتحين الفرص لإشعال النار في أي منطقة به، فلا يمكن ان نعتبر بقاء نظام الأسد وإطلاق العنان للموالين له في المنطقة لفعل ما يريدون، بحجة المحافظة على جذوة المقاومة؛ لأن الداعم للمقاومة، ويحرص على بقائها، لا يمكن أن يكون ساحقا شعبه، ومن أراد الخير بشعب، لا يمكن أن يحرم هذا الخير شعبه.

فالمؤامرة إذا هي من لوازم العلاقات الدولية والحرص على المصالح، فالذي يتآمر، يتآمر من أجل مصالحه، ومن يخاف المؤامرة والمتضرر منها عليه أن يحمي نفسه حتى لا تكون تلك المصالح على حسابه، وإذا كان من الأقوياء فعليه أن يحرص على مصالحه كما حرص عليه غيره، ولا يفعل كما فعل “أشعب الذي خصى نفسه انتقاما من زوجته”، وكما يفعل الواقفون في وجه الشعوب المحبة للتغيير.  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • حنصالي

    نحن لم نفهم بعد معنى "المؤامرة" هل مصطلح المؤامر بقي محصور في ذالك المشهد السينيمائى القديم وهو مجموعة تخطط لمجموعة قصد الايقاع بها لمصالح ..لا ليس هذا فقد تعدى هذا المصطلح اشواطا عديدة بحيث لا يلفت الانتباه او النضر كان يؤخذ شكل ميادين علم النفس والاقتصاد والاجتماع والطاقة او البرمجة وغيرها من

    قبل ربيع العرب كان هناك تدفق لكتاب عن بطلان نضرية المؤامرة لاكن فيما بعد هم اعترفوا انهم كانو منخدعين لا نذكر الاسامى والسبب انهم لم يحسبوها جيدا التاريخ يعيد نفسه لاكن بصيغة اخرى لا تلفت الانتب

  • بدون اسم

    تتمه // تنظيم الدوله الاسلاميه هو نتيجه طبيعيه لمظالم و جرائم جلسنا نتفرج عليها لاكثر من عشر سنين و نصفق للمجرم بالله عليك هل استطاع رئيس دوله عربيه ان يقول للامريكان كفاكم ... ماذا تتوقع ان يفعل السني العراقي الذي يهدم داره و ينتهك عرضه او يقتل او يسجن بدون سبب ..؟ كل المشاكل التي نعاني منها بسبب الاحتلال الامريكي للعراق .. لا داعش ولا ماعش ..
    ولا نصل لحل دون ان نعيد الحق لنصابه و اول الحل ان نقول للامريكان ومن سار معهم كفاكم اجراما وان لم نفعل فستظهر داعش في كل مكان لان الظلم اصبح لا يطاق

  • بدون اسم

    طرح الاستهاذ التهامي منطقي لكنه عندما يقول ((تنظيم الدولة الإسلامية، يقوم بدور مشبوه،)) يعزي نجاحه لانظمه فاسده و ينسى مليون و ربع عراقي غالبيتهم من السنه قتلوا على يد الامريكان و حلفائهم الشيعه يتناسى الاستاذ تهامي القصف الامريكي بمئات الاطنان من اليورانيوم المنضب الذي حمل الموت بالسرطان لملايين اهل السنه الذين قصفوا به ولا نتكلم عن الاطفال الذين يولدون مشوهين نسبه واحد من اثنين .. كل هذه الجرائم يا استاذنا و دورهم مشبوة ان كانوا مشبوهين ماذا فعل بقيه العرب لسنه العراق غير نبذهم بالارهاب