-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الماستر للجميع إلا من أبى!

الماستر للجميع إلا من أبى!

الحديث عن تمديد فترة التّكوين في طور الليسانس إلى أربع سنوات، يقودنا إلى تقييم تجربة “الألمدي” التي طبّقتها الجزائر على عجل في بداية الألفية من دون أن تحضّر لها الأرضية والإمكانات اللازمة لنجاحها، فكانت النتائج كارثية على صعيد منتج الجامعة خلال السنوات الأخيرة.
إنّ الفكرة الأساسية التي ينطلق منها هذا النظام أنّ الطالب يعتمد على نفسه في التحصيل العلمي، بينما ينحصر دور الجامعة في توفير البيئة العلمية والشروط الضرورية التي تمكِّن الطالب من مزاولة الدراسة وإجراء البحوث، بتوجُّهٍ من الأستاذ الذي يقدِّم خدمة التوجيه والمرافقة لا التلقين المباشر للمعارف، وفق نظام الوصاية “tutorat” المعروف عالميا وهو يهدف إلى تحسين نوعية تكوين الطالب بإعلامه وتوجيهه للرفع من قدرته وإمكانية مشاركته في بناء المسار التكويني عن طريق توسيع حجم العمل الشخصي، فالوصاية هي فضاءُ حوارٍ بين الطلبة والأستاذ الوصي تقدم فيه التوجيهات العلمية والنصائح المنهجية.
لكن الذي حدث في الجزائر أن الجامعة فقدت امتيازات النّظام الكلاسيكي الذي كان يمنح الطّالب الحد الأدنى من المعارف العلمية، لكن لا يشجع الطّالب على البحث والاستزادة خارج ما يقدِّمه الأستاذ في القسم. كما أنّ المسعى الذي كان يهدف إليه نظام “الألمدي” لم يتحقّق، لأسباب موضوعية أبرزها عدم توفر البيئة اللازمة لنجاح هذا النمط من التعليم كما هو في أوروبا وأمريكا.
وثمة معطياتٌ أخرى دمّرت العملية التعليمية في الجامعة، على رأسها إنشاء جامعة في كل ولاية وأحيانا في كل مدينة، وتم فتح مختلف التخصّصات في هذه الجامعات، ومن منطلق دمقرطة التعليم وتمكين الجميع من الدراسة في الجامعة، ارتفع عدد الطلبة في ظرف قياسي وأصبحت الجزائر تحصي الملايين في جامعاتها، ولسبب ما تم تمكين كل الطلبة ومعهم 20 بالمائة من الدفعات السابقة للالتحاق بطور الماستر، وأصبحت شهادة الماستر التي يُفترض أنها تمنح للنخبة المتفوقة التي تتمتع بقدرات عالية.. أصبحت تمنح لجميع خريجي الجامعات إلا من أبى.
وليس غريبا أن يتخلّى عددٌ معتبر من الطّلبة طواعية عن مواصلة الدّراسة في مرحلة الماستر، تدفعهم إلى ذلك قناعة راسخة بعدم جدوى الحصول على شهادة متاحة للجميع، وهذا ما حدث فعلا؛ إذ فضَّل الكثير إيداع ملفات الحصول على منحة البطالة بدل مواصلة الدراسة.
إنّ تمديد سنوات الدراسة في مرحلة الليسانس إلى أربع سنوات قد تكون بداية لتحسين الأوضاع، كما أنّ حصر الدّراسة في مرحلة الماستر على نخبة الطلبة الذين لديهم القابلية والاستعداد لخوض غمار البحث العلمي، سيعيد لهذه الشهادة قيمتها العلمية، أما الاستمرار في الوضعية الحالية فهو عين العبث، إذ يُطلب من كل الطلبة إنجازُ مذكرةٍ في مدة قد لا تتجاوز ثلاثة أشهر وفي نهاية الموسم الدراسي، وهنا نذكر أننا سألنا طالبا تخرّج منذ سنتين عن عنوان مذكرته فلم يتذكره، بل إنه نسي تخصّصه في طور الماستر!
لا يمكن إنكار الإنجازات التي تحققت على مستوى توفير الهياكل والخدمات على مستوى جامعات الوطن، لكن يجب مراجعة السياسة المعتمَدة في الاهتمام بالعدد على حساب النّوعية، وعلينا أن نطرح على أنفسنا سؤالا يتعلق بمواصفات منتج الجامعة، وليس بعدد الطلبة الذين يتخرجون في مختلف التخصّصات، فما الفائدة من تخريج الملايين إذا كانت البطالة مصيرهم؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • Bulletin

    الى imazighen اذا كانت الجامعة تقدم الماستر للجميع فعلى المتخرج اثبات ذاته في ميدان العمل، كما في دول اوروبا وامريكا اي ان اتقانك لعملك هو من يحدد بقائك او طردك من العمل

  • السيدة بولنواريمينة

    سلام عليكم ونحن طلبة deua الأعمال التطبيقية لجامعة التكوين المتواصل ماهو مصيرنا والله هذا ظلم في حقنا

  • عبد النور

    أحسن ما قبل في هذا الموضوع 👍

  • Imazighen

    (...وأصبحت شهادة الماستر التي يُفترض أنها تمنح للنخبة المتفوقة التي تتمتع بقدرات عالية.. أصبحت تمنح لجميع خريجي الجامعات إلا من أبى.)...ضاع معها العلم والبحث...