الجزائر
إقبال من مختلف الولايات على "مقطع خيرة " الشهير بضواحي العاصمة

الماعز والنعجة.. لحوم الزوالية

وهيبة سليماني
  • 52546
  • 13
أرشيف

مذبح على الهواء وانتشار غير مسبوق للباعة الفوضويين
اللحوم الحمراء بـ950 دج.. الديك الرومي 460 دج و”الدوارة” 700 دج
زبائن مصدومون من فوضى الذبح وتناثر الدماء

“مقطع خيرة” هذا المكان الواقع في طريق البليدة ودواودة على محور القليعة غرب العاصمة، يعتبر مقصدا لـ”الزوالية “من مختلف الولايات المجاورة خلال كل رمضان، لشراء اللحوم البيضاء والحمراء بأسعار منخفضة عن تلك التي يبيع بها أصحاب المحلات، فلم تثن جائحة كورونا كثرة الوافدين عليه خلال شهر الصيام، بسبب الأسعار الملتهبة في القصابات وتدني المستوى المعيشي، واتساع رقعة الفقر، يراها زبائن “مقطع خيرة”، أسبابا لانتعاش الحركة التجارية في هذه السوق وعودة “باطوارات” الذبح على قارعة الطريق ودون رقابة، حيث أصبح سوقا للحوم الحمراء بعد أن كان معروفا بـ”الديك الرومي”.
الطريق إلى “مقطع خيرة”، مكتظ عن آخره بالسيارات، حيث يستغرق الوصول إلى نقاط البيع وقتا، وصبرا، ونظرا للزحمة وامتلاء المكان، استغل بعض المراهقين أماكن ركن المركبات كحظائر يحرسونها مقابل المال، فالسائقون هذا العام لم يكن من السهولة لديهم، إيجاد مكان لركن سياراتهم.
وتبدأ طاولات بيع الديك الرومي ولحم الغنم والماعز، اختيارها لحافة طريق السيارات بمسافات قبل الوصول إلى القصابات الموجودة في سوق “مقطع خيرة”، فبين الأتربة ودخان المركبات وبرك الدم والنفايات يتزاحم جزائريون على شراء اللحوم “الرخيصة” رغم أن هذه الأخيرة لم تمر على الرقابة البيطرية، لأنها مذبوحة في عين المكان.

إنزال من مختلف الولايات للهروب من الأسعار الملتهبة

جاؤوا من ولايات مجاورة وأخرى قريبة، من تيبازة ومن الجزائر العاصمة، ومن البليدة وبومرداس، والمدية وعين الدفلى، واختاروا سوق “مقطع خيرة”، للهروب من الأسعار الملتهبة وغلاء اللحوم الحمراء وحتى البيضاء في القصابات والأسواق الشعبية المنتظمة، ففي “مقطع خيرة”، على حد تعبير كهل جاء إليه رفقة زوجته، “نجد ما يتناسب مع قدرتنا الشرائية”.
ومن خلال جولة ميدانية استطلاعية قادت “الشروق”، إلى إمبراطورية “مقطع خيرة”، فإن فوضى الذبح للمواشي والديك الرومي، ديكور يعكس مدى الإقبال وزيادة الطلب، واللهث وراء الربح بشتى الطرق والوسائل، حيث أن الأسعار المنخفضة وبفارق يتراوح مابين 200دج و300 دج أو أكثر مقارنة بأسعار اللحوم في الأسواق المنظمة والقصابات، أكثر ما يجلب الزبائن، ويجعلهم يشترون “مغمضين أعينهم”، عن ظروف غير صحية تحيط بالباعة وبالسلعة نفسها.

“باطوار” على الهواء وانتشار غير مسبوق للباعة الفوضويين

ومع زيادة طاولات الباعة الفوضويين، وعمليات الذبح العشوائية، أصبحت السوق أشبه بـ”باطوار” كبير مفتوح على الهواء الطلق، رؤوس المواشي هنا وهناك، ولحوم معلقة “وجزرات”، تقطيع و”زلوف مشوط”، وأحشاء معلقة كالألبسة في أعمدة حديدية خارج محلات بيع اللحوم وفوق أسلاك محيطة بطاولات البيع، وسيارت مركونة بعشوائية وزبائن يتجوّلون وسط برك الدم وبقايا الأحشاء المرمية، ولكن السعر هو من يتحكم في كل هذه الفوضى.
وفي ظل إقبال منقطع النظير، وعكس الذي كان عليه خلال رمضان 2020، حيث فرض الحجر الصحي وإجراء حظر التجوّل بسبب انتشار عدوى كورونا، استغل أصحاب طاولات بيع اللحوم الفوضوية، فرصة الربح، حيث يعتبر علي وهو شاب في 35سنة، أن لحوم الماشية حديثة الذبح ورغم أنها غير خاضعة للمراقبة البيطرية، فإنها من موالين يعرفون بجودة مواشيهم وخضوعها للفحص البيطري، وقال إن الأسعار المنخفضة كافية لتجعل الزبائن يقبلون عليه.

اللحوم الحمراء تهزم “الديك الرومي”

ولم يعد “مقطع خيرة” سوقا لـ”الديك الرومي” كما كان يعرف سابقا، فقلما تجد تجارا يبيعون اللحوم البيضاء، حيث تسابق الجميع على بيع لحوم حمراء لـ”النعجة” و”الماعز”، وهي لحوم مطلوبة في رمضان، وتراوحت أسعار الكيلوغرام من الديك الرومي بين 460دج و480دج للكيلوغرام، وشرائح “السكالوب” بـ750دج للكيلوغرام وهو سعر منخفض مقارنة بأسعار القصابات، والتي يصل فيها الكيلوغرام من”السكالوب”، إلى 950دج أو يتجاوز ذلك.

اللحوم الحمراء ابتداء من 950 دج للكغ

وفيما يخص لحم الخروف فقد يباع بـ1200دج للكيلوغرام في قصابات “مقطع خيرة”، ولكن اختار تجار هذه السوق الفوضوية، لحوم “النعجة” لسعرها المتدني مقارنة بسعر لحم الخروف، حيث لا يتعدى في “مقطع خيرة”، الكيلوغرام من اللحوم الحمراء هذه، سعر 1100دج، فالتي تعرض على طاولات الباعة الفوضويين، رخيصة وتسوق بـ950دج للكيلوغرام.
ويقصد بعض الجزائريين، سوق “مقطع خيرة”، لشراء أحشاء الماشية، أو ما يعرف بـ”الدوارة”، حيث وجدت رواجا كثيرا وحققت أرباحا، وخاصة أنها مطلوبة بقوة، وما ساعد في تسويقها، أسعارها التي لا تتعدى 700دج، ونفس الشيء بالنسبة لـ”الزلوف” أي رأس الماشية وأرجلها، وهي تباع و”تشوط” في عين المكان، من طرف بعض الباعة الفوضويين، والذين حدّدوا سعرها وهي “مشوطة” بـ1300دج، وغير مشوطة بـ600دج”.
وفيما يخص لحم الماعز، فهي الأخرى مطلوبة من طرف زبائن السوق، وخاصة أنها لحوم حسب أحد هؤلاء الزبائن، صحية وخالية من الشحوم، كما أنها مناسبة لبعض الأمراض مثل السكري، وأسعارها في “مقطع خيرة” مناسبة.

محل واحد يذبح يوميا 70 رأسا من الغنم و”النعجة” والمعز

ونظرا لارتفاع الطلب وسرعة التسويق، فإن بعض القصابات الموجودة في سوق “مقطع خيرة”، تذبح يوميا عددا لا باس به من النعاج والماعز، ففي قصابة مراد، أكد لنا أحد الباعة، أن 70 رأسا من الغنم والماعز تنحر يوميا، وأن عملية الشراء انتعشت خلال رمضان الجاري، لدرجة لم يكن يتوقعها.
وفي قصابة أخرى، قال صاحبها، إن الطلب على لحوم بأسعار منخفضة، هو دليل على عدم قدرة الكثير من الجزائريين على مواجهة الغلاء وأسعار اللحوم الحمراء على وجه التحديد، الأمر الذي جعلهم يهربون إلى سوق “مقطع خيرة”، مؤكدا أن قصابته تنحر يوميا من 30 إلى 50 رأسا من النعاج والماعز.

زبائن مصدومون من فوضى الذبح وتناثر الدماء

ورغم الإقبال الواسع على سوق “مقطع خيرة” خلال رمضان 2021، بعد التخلي عن بعض الإجراءات الخاصة بالوقاية من كورونا ورفع حظر التجوّل نهارا، إلا أن بعضهم يعدلون عن شراء اللحوم ويعودون من حيث جاؤوا تحت وطأة الاشمئزاز والتذمر سواء من المراهقين الذين فرضوا منطقهم في المكان بفرض دفع النقود على أصحاب السيارات، أو الفوضى والاكتظاظ وعدم وجود مساحة لركن المركبة، والأوساخ والحفر المملوءة بالدم والمياه القذرة و”الجزرات” المعلقة التي تقطر بالدم فوق رؤوس بعض الزبائن.
وخيّمت صورة الفوضى والعشوائية في عرض اللحوم وبيعها على الطاولات وفوق قطع بلاستيكية على الأرض، وفي ظل غياب المراقبة البيطرية من طرف المسؤولين المحليين، على أذهان بعض الأشخاص الذين قصدوا السوق، ما جعلهم يشعرون “بالقيء” وعدم الرغبة في هذه اللحوم، ففضلوا أن يعودوا دون أن يشتروا غراما منها، مكتفين بمقولة “من يرغب في رخسه رمى نصفه”.

مقالات ذات صلة