الرأي

“الماك”.. قنبلة فرنسا في الجزائر!

ما حدث في بجاية من وقائع خطيرة، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لا يعدو أن يكون سوى نتيجة طبيعية وتطور تلقائي لتغوّل الانفصاليّين في المنطقة على أجهزة الدولة منذ سنوات، وسط سكوتٍ مُريب لقوى كثيرة، لأنها تقدِّم مصلحتها الضيِّقة على استعداء “الماك”، بل تستثمر في وعائه لتقوية كياناتها وموقعها التفاوضي مع السلطة، لذلك تبرز عدوانية الحركة الانفصالية أكثر في السياقات الانتخابية والمنعرجات الكبرى.

لقد كان من أغرب ما تابعناه من قراءات للانحراف الحاصل هو تحميل السلطة مسؤولية الأوضاع المقلقة، بزعم عدم امتثالها لشروط الانتقال الديمقراطي، والإصرار على الذهاب نحو الاستحقاق البرلماني في ظلِّ مقاطعة كاملة لسكان المنطقة، كأنّ هؤلاء الانفصاليّين الذين يُحكِمون قبضتهم اليوم على الشارع المحلي يطالبون بنزاهة الانتخابات أو يؤمنون بها أصلا.

وأسوأ من ذلك، تلك الخطابات المكشوفة من الأنصار المتستِّرين على المخطط الانفصالي لأجل التعامل مع أعداء الوطن بمنطق الرأي والرأي الآخر، والدعوة إلى تقبُّل التعايش مع عرَّابي الانفصال تحت غطاء نقاش الأفكار.

لم يعُد مستساغًا اليوم في ظل تنامي المؤشرات الخطيرة التعاطي مع وضع المنطقة المرتهنة لشرذمة الانفصال بمنطق اللامبالاة أو التبرير، وكل من يرفض أو يتحاشى تجريم “الماك”، ولا يحاربها فكرا وسلوكا لأي حسابات كانت، فهو عمليا انفصاليٌّ لا يؤتمَن على الوحدة الوطنية.

إذا كان من الضروري التمايز الصريح بين مناضلي الأمازيغية في بُعدها الهوياتي الثقافي اللغوي وبين الانفصاليّين الذين يشكلون خطرًا على الكيان الوطني بجميع مكوناته، فقد وجب تجنُّد التيار الأول بكل حزم ضد جريمة الفريق الثاني لقطع الطريق أمامه في العبث بالوحدة الوطنية، وكل تقاعس عن ذلك الواجب المرحلي يعدُّ تواطؤا مفضوحًا معه.

كما أنّ على السلطات العليا في البلاد إعادة حساباتها في مقاربة الاحتواء المنتهجة ضدّ حركة الانفصال، لأنّ أفعالها التصعيديّة تشكل مساسًا خطيرا بهيبة السلطة العامّة للدولة، بل تمثل تحريضًا مباشرا لباقي المواطنين على استباحتها، فلا يمكن الكيل بمكيالين في التصدّي للإخلال بالنظام العام.

لذلك، على السلطة أن تجعل من خطر هذه الحركة الإرهابيّة، والتصدّي لها بكل الوسائل القانونية المشروعة، قاعدة اصطفاف وطني لكل الجزائريين، وستجدهم جميعهم إلى جانبها في معركة صيانة الوحدة الوطنية، ولن يتخلّف عنها إلاّ خائنٌ مُبين.

إنّ مخطط الانفصال الموهوم هو ثمرة خبيثة لمشروع الاحتلال الفرنسي الذي عمل طيلة 132 سنة على تكريس التمايز المناطقي بالاستناد إلى الخلفية اللغوية، تأسيسًا للانقسام الإثني، عبر الدراسات الإثنوغرافية والأنتروبولوجيّة المزعومة، وما رافقها من سياسات احتلاليّة تمييزيّة لفصل جهات الوطن عن بعضها البعض، وذلك بهدف توفير مناخ من الانقسام القبلي يهيِّئ للاستعمار ظروفَ البقاء في بلادنا، أو يضمن له على الأقل شروط الهيمنة والنفوذ عليها بعد جلائه العسكري الاضطراري.

لكن بالمقابل، ليس مقبولاً بتاتا اتهام منطقة كاملة بالخيانة والعمالة للاستعمار، بل إنّ كل إدِّعاء في هذا الاتجاه يبقى مسعى مشبوها وطائشا وساذجا ومُدانا بكل المعايير العلمية والأخلاقية والسياسية، وينبغي أن لا نتساهل معه.

هل نلغي الحقيقة التاريخية في أن ذات المنطقة كانت إلى جانب الأوراس والشمال القسنطيني والولايات التاريخية الأخرى من معاقل الثورة التحريرية المباركة، ورجالها كانوا من أسود الجبال وأشاوس حرب الحرية؟

مثلما لا يزال رموزها الشرفاء في عهد الاستقلال من فطاحل الذود عن الانتماء الحضاري للأمة، في مواجهة التغريب والتمزيغ العرقي.

صحيح أن هناك مشروعا كولونياليا تاريخيا متجددا لاستهداف المنطقة، وقد نجح نسبيا في تجنيد عناصر كثيرة من المنطقة، حتى شكّل فيها حركة انفصالية خطيرة، إلى جانب تيار علماني استئصالي معادي للهوية الحضارية للشعب الجزائري، لكنه لا يعبِّر عن الأغلبية الصامتة.

كما حدث تشابكٌ لبعض أبنائها مع مصالح الدولة العميقة في عهد العصابات، فصنعت منهم أرباب مال ومديري قطاعات حسّاسة، لتأبيد الهمينة على الحكم بالتحكم في مفاصل الإدارة والاقتصاد، أما عموم إخواننا القبائل، فإنهم مثل غيرهم من الجزائريين، يكابدون لأجل الحياة الكريمة.

 لذا، فإن رمي المنطقة كلها بخيانة القضية الوطنية افتراءٌ على الحقيقة، بل يصبُّ في نهاية المطاف ضمن مخطط الاستعمار نفسه لعزل المنطقة ودفعها إلى الارتماء في أحضان فرنسا والصهيونية العالمية.

إنّ العقلانية تقتضي أن لا نعين شيطان الاستعمار على أهلنا الأحرار في منطقة القبائل، التي كانت وستبقى قطعة مجد وقصة بطولة فوق أرض الشهداء، بل من الواجب الوطني الاحتفاء بها وتعزيز الاندماج الثقافي والاجتماعي بين كافة مكوِّنات الشعب الجزائري لردم الهوة المصطنعة وقطع الطريق أمام أبَالِسَة الفرقة.

نعتقد أن هناك سياسيين فاشلين، كلما استهلكوا رصيدهم عمدوا إلى إشعال نار الفتنة الطائفية للاقتيات الشعبي على حساب الوحدة الوطنية.

مقالات ذات صلة