-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

المال بأيدي السّفهاء زيادة سفاهة

أبو جرة سلطاني
  • 484
  • 0
المال بأيدي السّفهاء زيادة سفاهة

كانوا يعرفون أصل المشكلة. ويعرفون طريقة حلّها. وكان بين أيديهم إمكانيّات ماديّة معتبرة لتسديد فاتورة الإنجاز وكلفة البناء. وهم واثقون بأنّ ذا القرنيْن قادر على إقامة هذا الحاجز بينهم وبين يأجوج ومأجُوج.. فما الذي كان ينقصهم؟ ولماذا لم يكونوا يفقهون قولا؟

القول بلا عمل سـوء فهم وغيّاب فقه؛ فلا قيمة لأقوال لا تعرف طريقها للعمل النّافع. وهؤلاء الأقوام كانوا يتكّلمون كثيرا عن يأجوج ومأجوج، ويتكلّمون عن فكرة بناء حاجز ضخم يصدّ هجماتهم أو يعرقلها أو يؤخّرها إلى حين. ولكنْ لا أحد منهم بادر بوضع حجر الأساس لبناء السدّ المنقذ أو تحرّك لمعاينة المكان، وهذا من سوء التّوفيق ومن سفاهة العقول أن تكون عارفا بدائك وعالما بدوائك ولكنّك لا تبذل جهدا لطلب الشّفاء. ولا تأخذ بالأسباب للتّخلّص من الدّاء.

تلك حال كلّ من لا يفقه ما يقال، ولا تعي أذناه ما يتلفّظ به فوه. وأصحاب ذي القرنيْن كانوا يفتقرون إلى قائد يعيد اكتشاف أنفسهم ويبصّرهم بما يعينهم على تحرير أنفسهم من رقّ القعود بانتظار حلّ يأتي من السّماء بغير جهد منهم. كانوا يفتقرون إلى إرادة التّغيير وإلى الرّغبة العازمة على التحرّر أوّلا من احتباسهم بين السدّيْن واعتزالهم العالم الخارجي. كانوا بحاجة إلى انتفاضة على واقعهم والاستعداد للتّضحيّة من أجل ما يؤمنون به والتّعاون على بناء مشروعهم لتحصين أنفسهم وتأمين حاضرهم ومستقبل أجيالهم ضدّ تهديد عدوّهم التّقليديّ. فلما قدم عليهم ذو القرنيْن عرضوا عليه مالا مقابل بناء سدّ يقيهم هجمات عدوّهم: ((قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)) (الكهف: 94).

كانوا يعرفون الحلّ لكنّهم يفتقرون إلى قيّادة مبصرة تصنع لهم القدوة وتتقدّم الصفّ وتكسر في نفوسهم هواجس الخوف من عدوّهم. وهو ما أدركه ذو القرنيْن من كلامهم ومن عرضهم المادّي وخبَرهُ في تركيبتهم النّفسيّة فنقلهم من العزلة إلى الانفتاح. ومن توجّس الالتصاق بالأرض إلى نعمة الارتقاء إلى السّماء. نقلهم نقلة بعيدة بردّ ما عرضوا عليه لتقرير أنّ ما بين أيديهم من مال لا قيمة له إذا لم يمكّن الله لهم في الأرض بما هو خير من مالهم: ((قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا)) (الكهف: 95)، بهذا الموقف خلعهم من واقع ماديّ مغلق وألقى بهم إلى باحات واسعة كانوا عنها غافلين فاكتشفوا أنفسهم وعرفوا قدراتهم وقيمة ما بين أيديهم من ثروة وما هو مسخّر لهم من أسباب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!