الرأي

“المتقاعدون” .. الوجه الآخر الذي ضيّعناه

حسن خليفة
  • 1294
  • 3
ح.م

يمثل المورد البشري في أي أمة الثروة الأكثر أهمية وقيمة. وليس الأمر هنا في حاجة إلى الدليل، فالمجتمعات التي تفوّقت ونجحت نجاحا كبيرا.. إنما كان ذلك فيما يسمى “اقتصاد المعرفة” وهو اقتصاد يقوم على المورد البشري أساسا. إنها لأمثلة حيّة هذه الأمم التي تتمتع اليوم بهذا القدر الكبير من الرفاهية والتقدم والازدهار والنماء بسبب اعتمادها على “الإنسان”، واستثمارها فيه على الوجه الصحيح المناسب.

ها هنا ما يستوجب منا التوقّف بالنظر إلى قضية كبيرة مطروحة في واقعنا وحياتنا وهي إن أمكن التعبير عنها قضية “المتقاعدين”. أتصوّر أن لدينا فهما خاطئا للمسألة؛ حيث نتعامل معهم من منظور معاكس لما يجب أن يكون عليه الأمر.

ثمة طاقة كبيرة عندنا على “الهدر” و”الإضاعة والتضييع” بالنظر إلى ما يُعامل به المتقاعدون. فهؤلاء الذين واللائي أنهوا مسارهم المهني وخرجوا إلى “الراحة” هم في الأصل ثروة نبيلة عظيمة الشأن، ثروة من الخبرة والاقتدار والعلم والتمكّن والمعرفة والأدب والخُلق والهمّة والعطاء…هل يمكن التعامل مع هذه القيّم كلها وهذه القدرات جميعها على هذا النحو البائس ..ولسنا نتحدث عن تلك الفئة القليلة من المحظوظين المسنّين الذي يُبقى عليهم كمستشارين في بعض الهيئات والوزارات والمستشفيات. فذلك النوع من الاستبقاء مصلحي وفيه محاباة ومحسوبية .

إنما نتحدث عن ألوف من الخبراء والأساتذة والمهندسين والمسيرين والمديرين والأطباء والصيادلة والمشرفين وسواهم من أهل العلم والخبرة الذين وصلوا إلى المحطة الأخيرة في مسارهم المهني، ولكن ما يزال لديهم “الأفضل” مما يمكن أن يعطوه لوطنهم ومجتمعهم.

إن ما لديهم لا يمكن أن نجده في الجامعات ولا في المؤسسات التكوينية وحتى البحثية.. إنه شيء كامن في أعماقهم، شيء هو خلاصة الخلاصة في مسيرتهم وحياتهم، استوى ونضج واستدار على هيئته المثلى (خبرة خاصة) منحوتة من الحياة.

أفلا يمكن الاستفادة من هؤلاء وأخذ أحسن ما عندهم؟ ولا تسألني عن الطريقة المناسبة لذلك، ولا عن الكيفيات.. فإن القيادة الرشيدة في الأمة تعرف كيف تكسب وتعرف كيف تأخذ من كل أحد وكل واحدة أجمل ماعنده.. وإلا فليست قيادة رشيدة إذا.

• الأستاذ(ة) الجيد.. ألا يمكن أن يعطيّ مجتمعه أفضل ما يمكن في مجال التعليم والتربية؟ إن طريقته الناجحة وحدها كافية لتكون معلما في مجال تعلّم طرائق وأساليب التدريس والتحكم في القسم واستراتيجية التربية.. إلخ.

• مدير المؤسسة ـ في أي مستوى كان ـ ألا يمكن أن يقدم خلاصة ولبّ تجربته في التسيير والإدارة التي جعلته يرفع مستوى المستخدمين ويحقق الأرباح لمؤسسته (عامة وخاصة). لمَ تذهب تلك التجربة المميزة سدى وتضيع منا..

• وهكذا دواليك…الطبيب، والمهندس، وأستاذ الجامعة، والكاتب، والإعلامي، والإمام، والإداري، والمشرف، والمربية والمرشدة، وصنوف كثيرة أخرى من العاملين والموظفين، رجالا ونساء، ممن تركوا بصمتهم في مسارهم المهني وحققوا التميّز والنجاح، وتركوا وراءهم الذكر الطيب والأثر الأطيب ومهدوا السبيل لمن بعدهم.. ألا نحتاج إلى ما لديهم وهو عزيز وغال؟ ألا يستوجب الأمر منا اهتماما مخصوصا بهذه الطاقة الإيجابية مما بقيّ لديهم.. فلنبحث ـ إذا ـ عن طرق وأساليب للاستفادة من كل واحد بدل هذا التضييع البغيض للثروة ..أجمل ثروة.

مقالات ذات صلة