-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أقواس

المثقف الجزائري بين المقهى والأنترنيت والبوليتيك

أمين الزاوي
  • 4391
  • 0
المثقف الجزائري بين المقهى والأنترنيت والبوليتيك

نحن أيضا نعيش على إيقاع طبول التغير والتغيير بكل أشكاله ومضامينه، وليس لنا من ذلك مهرب، إنه التاريخ نهر يجري ويجرف. ولكن بين نظرة السياسي إلى التغيير ونظرة المثقف إلى ذلك فرق، أو هكذا يجب أن يكون، فللسياسي مقاربته وعينه ولغته وخطابه وللمثقف مثل ذلك، ولكن بمنطق آخر أو هكذا يفترض.

  • لكن ما لاحظته وهو ما أسوّقه في هذا النص، والحديث هنا عن المثقف الجزائري و السياسي الجزائري، هو ما يلي:
  • 1- تبعية خطاب المثقف لخطاب السياسي، لقد استطاع هذا الأخير، حتى وهو يواجه موته السياسي والتاريخي، أن يجعل المثقف يدور في مفردات الخطاب الذي ينتجه، مهما كان مستوى هذا الخطاب والذي غالبا ما يكون معبرا عن الأزمة، أزمته هو وليس أزمة المجتمع.
  • 2- يبدو لي وبغض النظر عن مستوى ومصداقية خطاب السياسي، إلا أنه خطاب يعبّر عن ساعة الأزمة، أي أن السياسي حين يدلق لسانه فهو يقوم بذلك عند ساعة إقلاع القطار حتى وإن كان هذا القطار متأخرا.
  • 3- أما خطاب المثقف فيبدو أن صاحبه لا يعرف أصلا محطة لقطار، ولا علاقة له بالساعة، ففي الوقت الذي نشعر فيه باقتراب ساعة السياسي يبدو المثقف الجزائري غارقا في فنجان لغته وكأس فراغه.
  • 4- حين يجلس السياسي في المكان المطلوب، في اللحظة المطلوبة، مع حلفاء مطلوبين، لتكريس موقفه خوفا من هدير التاريخ، في مثل هذه الساعة يجلس المثقف في المقهى يحتسي قهوة ويمارس اغتيال الوقت أو بالأحرى اغتيال نفسه.
  • 5- يزعجني المثقف الجزائري حين يستعير لغة السياسي فتضيع منه بلاغته التي لها خصائصها وبنياتها، وفي ذلك يبدو ضائعا مضيّعا ظله، وفي الوقت نفسه غير قادر على انتاج بلاغة تتشبه ببلاغة السياسي. وحكاية الغراب الذي ضيّع مشيّته بين تقليد الحمام والحجل هي صورة تنطبق على المثقف الجزائري.
  • 6- وأمام اختلاط المواقع اختلطت البلاغات والألسن وسادت الفوضى ولكن أعلى وأبلغ البلاغات عند السياسي هي “العجمة” وعند المثقف “العجنة” وتلك من العجائب والعجائن الجزائرية.
  • 7- أمام ذلك، يبدو لي أن الأزمة بتجلياتها السياسية والثقافية والاجتماعية والحضارية يمكن قراءتها واكتشافها في أزمة البلاغة التي يتميز بها خطاب كل من السياسي والمثقف.
  • 8- في الوقت الذي يتحدث فيه وزير الصحة كأمين عام لاتحاد العمال يتحدث المثقف مثل الفقيه.
  • 9- حين يتحدث وزير الخارجية ببلاغة وزير الدفاع يتحدث القصّاص بلسان وال من الولايات الـ 48 عن ولايته، مبرزا خصائصها الثقافية والسياحية ولون السماء فوقها!!
  • 10- حين يتكلم الشاعر كمدرب الفريق الوطني يتحدث وزير التجارة كوزير للأمن يستعد لمواجهة إرهاب جوع رمضان القادم.
  • 11- حين يتحدث الروائي ببلاغة تشبه بلاغة تاجر النظارات الشمسية المغشوشة المطروحة على الرصيف الأغبر يتحدث وزير السياحة بلاغة مضيف الطائرة التي تأخرت رحلتها ولم تقلع بعد ولا يعرف الركاب الاتجاه.
  • 12- حين يتحدث وزير التربية الوطنية ببلاغة وزير التضامن الوطني والأسرة ورعاية الطفولة ذات الاحتياجات الخاصة يتحدث الناقد الأدبي بلاغة رئيس مخفر وضع يده على عصابة من مهربي الحشيش.
  • 13- حين يتحدث وزير الموارد المائية ببلاغة المخرج السينمائي يتحدث المسرحي بلغة وزير الإحصائيات.
  • 14- في بلد تعيش فيه الجامعة في مهب الريح ولا نسمع بلاغة لوزيرة البحث العلمي بل بلاغتها الاختفاء أو التخفي لا نستغرب أن يستعير الفنان الموسيقي بلاغة خطاب المقيم في ديار الرحمة التي لا رحمة فيها سوى الاسم.
  • تتدحرج البلاد إلى حالة من الفوضى في بلاغة خطاباتها حين تغيب بلاغة الرمز الثقافي والسياسي، لقد كان للجزائر، في زمن مضى، رموزها الثقافية والسياسية التي أنتجت بلاغة اليومي والسياسي والثقافي، كان لهذا البلد رجال من أمثال مصالي الحاج والبشير الإبراهيمي وبشير حاج علي ومفدي زكريا وكاتب ياسين، كانوا ومن انتماءات سياسية  مختلفة ومن مواقع ثقافية ولسانية مختلفة لكنهم كانوا يمثلون بلاغة صادقة ومعبرة.
  • واليوم في بلاد “كُلْ طيرْ يَلْغى بَلْغاهْ” كما تقول بلاغة أمي التي لا تغريها ولا تغيّرها بلاغة أخرى، في بلاد يختلط فيها الحابل بالنابل، وتضيع فيها اللغة بين هجين وعجين، نكتشف الأزمة أولا في أزمة بلاغة طبقتها السياسية ونخبها الثقافية، وبلادنا مثال جلي على ذلك.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!