الرأي

المثقف العضوي الجديد

محمد سليم قلالة
  • 2978
  • 8

يبدو أن المواقف التي يتخذها الإعلامي أو رجل الدين أو الأستاذ أو الفنان أوكل من يُصنّف ضمن خانة “المثقف” اليوم، من الأحداث التي تجري من حوله، هي أقرب إلى مواقف المثقف التقليدي منها إلى المثقف العضوي على حد تعبير “غرامشي”. ذلك أن المفكر التقليدي عادة ما لا يدرك الإشارات الحاملة للمستقبل، ولا طبيعة القوى الصاعدة، التي تحمل معها الأمل، ويقف مساندا للقوى التي لا تعيش على سوى ثقافة الخوف والتخويف واليأس.

الإشارات الحاملة للمستقبل اليوم تقول إنه لا يمكن لأية سلطة أو دولة أو حكومة أو سياسي أن يستمر في الحكم استنادا إلى القوة العسكرية أو إلى المال وحدهما مهما بلغت هذه القوة العسكرية من بطش ومهما بلغ هذا المال من حجم. الوسيلة الأساسية التي يمكن من خلالها الوصول إلى الحكم أو البقاء فيه برضا الناس هي القدرة على التحكم في وسائل المعرفة الجديدة القادرة على التعامل مع عقول الناس وإيصالهم إلى حالة من الاقتناع به أو بمشروعه أو بسياسته وحتى بقوته وبماله…

وبرغم هذه الإشارات الواضحة، ما زال هناك من “السياسيين” من يعتقد في إمكانية البقاء استنادا إلى القوة أو المال، وإلى من يبرر استخدامهما، سواء “المثقف التقليدي” الذي يقف باستمرار ضد حركة التاريخ، أم “المثقف النفعي” الذي يسعى لتحقيق مكاسب مؤقتة مع كل فائز، أو “المثقف الجمعي” الذي يسعى أن يكون مع الجميع وفوق الجميع، أو حتى استنادا إلى نوع جديد من المثقفين يُطلق على نفسه اسم “الكوني” أصبح لا يتردد في تبريك أي سلوك محلي مرفوض باسم نظرياته “الكوسموبوليتانية”..

وهكذا في محاولة لمنع المثقف العضوي الجديد من البروز  ليعبر عن جيل جديد من الشباب أصبح مقتنعا بأن المستقبل لا يمكن أن تصنعه فئة معينة أو طبقة بحد ذاتها أو حزب سياسي بالمفهوم التقليدي، إنما هذه الملايين التي بفضل التعليم أصبحت تُدرك أن المعرفة هي أساس البناء وأساس البقاء وأساس السياسة وأساس الحكم، في تجاوز واضح وإضافة فريدة من نوعها لأفضل التحاليل التي تمت إلى حد الآن حول المثقف ودوره الاجتماعي، بما في ذلك “غرامشي”.

 

هل سيبرز لدينا ساسة وقادة في مستوى إدراك هذه التحولات التي تحيط بهم؟ أم أننا سنبقى نعيش مع أولئك الذين أعماهم ضيق الأفق حتى إن منهم من اعتقد أنه سيخلد في الحكم، ومنهم من ما زال لا يعترف إلا باستخدام القوة العسكرية للبقاء، وأفضلهم من قال بقوة المال، وهو لا يدري أنها هي الأخرى لم تعد تنفع في ظل انكشاف المثقف التقليدي والنفعي والكوني وبداية بروز دور المثقف العضوي الجديد؟

مقالات ذات صلة