الرأي

المجتمع ضيّع البوصلة!

رشيد ولد بوسيافة
  • 1579
  • 6

عندما يجهل المجتمع واحدا من علماء الجزائر، وهو العلامة عبد الفتاح مفتاح، ويعرف تمام المعرفة مشاهير “السوشل ميديا” التافهين ويتابع كل حركاتهم وسكناتهم وكل تفاصيل حياتهم، من كيفية تناولهم قهوة الصباح إلى طريقة لباسهم ومشيهم وكلامهم وحتى أوقات ذهابهم إلى المرحاض أكرمكم الله…عندما يحدث هذا ندرك أن المجتمع ضيّع البوصلة ولم يعد لكبار السن ولا للمثقفين والعلماء دور في حياة الناس.

العلامة عبد الباقي مفتاح ألّف زهاء 50 كتابا، وترجم كلّ أعمال الفرنسي ريني غينو، وتخصّص في تراث العالم الصوفي ابن عربي، المعروف بمصنفاته الفلسفية المستعصية على الفهم، حتى أنه وُصف بأكبر المتخصصين في فكر الشيخ الأكبر ابن عربي، والغريب أن إسهامات العلامة عبد الباقي مفتاح قوبلت بعناية فائقة في العالم، وتُرجمت إلى عدة لغات، بينما نجهله نحن ونجهل إنجازاته، وهو لا زال يعيش بيننا، وقد غيّبه الإعلام تماما، بينما يتسابق لمعرفة آخر أخبار نوميديا لزول وستانلي وريفكا!!

أمثال المترجم والعالم عبد الباقي مفتاح يحضون بالرعاية والاهتمام في كل دول العالم، فتُفتح لهم الأبواب، وتوفر لهم المنابر، وتقام لهم التّكريمات، وتخصص مراكز التفكير والدّراسات زوايا خاصة بهم تسمح لهم بمزيد من العطاء العلمي والفكري، بينما يتواجد مترجمنا وحيدا في بلديته الصغيرة بولاية الوادي من دون أدنى رعاية ولا اهتمام، أم أننا في انتظار أن يمضي إلى ربه لنعترف بفضله وإنجازاته.

لقد اختلت الموازين وتداخل سلّم القيم في المجتمع بشكل جعل أرباب العقول وذوي القلوب النابضة يتوارون عن الأنظار، بينما يتصدّر المجالس الجهلة والتافهون والمنحرفون فكرا وسلوكا وأخلاقا، وتكفي جولة على مواقع التواصل الاجتماعي لندرك أن الكارثة وقعت بالفعل، والدليل ما تابعناه جميعا قبل أسابيع لفتاة جزائرية هربت من البيت وسلكت طريق الانحراف الأخلاقي، ولم تكتف بذلك، بل تقمّصت دور الملهمة للمرأة الجزائرية بتعليمها كيفيات الإفلات من قيود المجتمع والتّصرف بحرية لا حدود لها، وفي النتيجة تمكّنت هذه الفتاة من دخول بيوت الجزائريين وأقنعت الآلاف بأفكارها التي تدعو إلى الفسوق والتحرّر من القيم والأخلاق.

لذلك أمامنا جميعا مسؤولية كبيرة تحتم علينا التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من خلال إعادة ترميم سلّم القيم في المجتمع، والاهتمام بالعلماء والمصلحين وإعلاء كلمتهم وإعادة تلك النكرات الذين حولتهم مواقع التواصل الاجتماعي إلى مؤثرين وملهمين إلى حجمهم الطبيعي.

مقالات ذات صلة