-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المجلس الأعلى للتربية.. متى يعود؟

المجلس الأعلى للتربية.. متى يعود؟

إن وزارة التربية بحاجة ماسة إلى أن يكون بجانبها مجلسٌ أعلى للتربية يسندها في مهامها، في مجال التفكير في ضبط الخطة الموجِّهة لأعمالها، والمحدِّدة لتوجُّهاتها. إن حاجتها إلى هيئة عليا تابعة للدولة تستند إليها وتدعم الجوانب الفكرية التي تحدد وجهتها من الأمور الضرورية التي يجب التفكير فيها، لأن مهامها المتعددة ومسؤولياتها المتنوعة تجعلها لا تستطيع وحدها ممارسة أساليب التفكير الخاص بجوانب الموضوع، لأن جوانب المحيط الذي تعيشه والذي يشخّص الجانب الدقيق من مسؤولياتها الفكرية والحضارية المرتبطة بهذا المحيط يجعلها غير متمكنة من ممارسة ما يُطلب منها انجازُه، وما تنتظره الأجيال منها، وعجزها عن الإلمام بهذه الجوانب يفرض على المسؤولين أن يعزّزوا جانبها بهذه الهيئة المعيَّنة التي تلتجئ إليها وتعتمد أفكارها التي تدعمها بتحديد جوانب العمل وخطة التوجيه التي تستند إليها وتعتمدها في تناول الأساليب الفكرية والسياسية الدقيقة.

القرارات التربوية التي تُتَّخذ يجب أن تكون معبِّرة عن رأي متفق عليه أو مسايرة لما يعيش في أعماق الأمة وعما تريده أو محدِّدة لفلسفتها وشارحة لمستقبلها، لأن نظام التربية سياسة أمة وليست سياسة قطاع، ومسؤولية دولة وليست مسؤولية وزير، وهذا التصور تحدده الهيئة العليا التي يرجع الأمر إليها.

هذا ما يجعلنا نطالب وبإلحاح أن تتّجه جهود الدولة إلى إنشاء هذه الهيئة مثل الهيئة التي تم إنشاؤها للطاقة المادية نريد مثلها للطاقة الفكرية والتربوية التي تتناول التفكير السياسي الموجّه لتنظم حقائق العمل التربوي الدقيق، وضبط الاتجاهات الفكرية التي تضبط عمل وزارة التربية، لأن الوزارة لا تسند إليها مهمة التفكير السياسي أو ضبط الاتجاهات الفكرية والفلسفية لأن هذا أمرٌ خاص بهيئة عليا عناصرها مهيَّئون لهذه المسؤولية، وهم من تكلفهم الدولة بمهام هذه المسؤولية المتخصصة والدقيقة لأنهم ينوبون عن الأمة وينطقون باسمها، ويمارسون مهامهم باسم الدولة.

ولعلّ هذه الفكرة هي التي دفعت مجلس الوزراء في الاجتماع الأخير إلى إنشاء مجلس أعلى للطاقة، لأن الذين فكروا في هذا الموضوع انطلقوا في تفكيرهم من تقديرهم لقيمة ما تستطيعه الوزارة بمفردها، والوزارة لا تستطيع وحدها الإلمام بكل جوانب الموضوع الذي يطلب من وزارة الطاقة أن تبحثه وتعالجه وتفكر في تطوير أوضاعه وتوجه التفكير للمسائل المتعلقة بتطوير ظروف الاهتمام بالطاقة وبأنواعها، ففكروا في الحل المطلوب الذي يدعم سير الوزارة (وزارة الطاقة) فاهتدوا إلى إنشاء مجلس أعلى للطاقة، فهو الذي يتولى تعميق البحث والتفكير في معالجة الجوانب التي تستلزمها أساليب التنمية والسير بها في طريق صحيح ومفيد، هذا ما نطلبه من المسؤولين بخصوص موضوع التربية؛ نطلب منهم أن يراعوا هذا الأمر في مجال التربية، لأن التربية طاقة فكرية وتتفرَّع إلى طاقات متعددة ويسيِّرها نظامٌ وتتطلب تطوير أساليب ووسائل يعتمد عليها في تسيير أمور هذه الطاقة الفكرية، فالبلاد بحاجة إلى هيئة عليا متمكنة من استيعاب جوانب الموضوع، هيئة تعمّق البحث في ميدان تنظيم العمل التربوي وفق الأسس التي يقوم عليها والأساليب التي تسيّر بها الجوانب المنظِّمة لقطاع التربية والموجِّهة له.

وقد سبق أن طالبنا بهذه الهيئة منذ أن غابت عن الميدان أي منذ دخول البلاد عهد التعددية والانفتاح السياسي، لأن الهيئة الموجهة للتربية كانت موجودة ضمن مسؤوليات لجنة التربية التابعة لجبهة التحرير الوطنية.

وبعد دخول البلاد عهد الانفتاح السياسي تم إنشاء المجلس الأعلى للتربية في التسعينيات وهو الذي حلّ محل الهيئة، ولكن الدولة ألغت هذا المجلس حين شكّلت لجنة الإصلاح الكبرى المكوَّنة من مئة وستين 160 عضوا وذلك عام 2001، تلك اللجنة التي كنا نظنُّ أنها تقوم بالإصلاح وتخصّص بعض عناصرها ليقوموا بها كانت تقوم به الهيئة الموجِّهة للنظام التربوي، ولم نكن نظن أن عملها ينتهي بكتابة تقرير الإصلاح أو يراد لها أن تكون كذلك، أي لا تستطيع أن تحلّ محل المجلس الأعلى للتربية، ومع الأسف أن الموضوع لم يفكَّر فيه، ولم يدقَّق في تنظيم جوانبه فبقيت التربية بدون هيئة تستند إليها، وبقي الأمر بيد الوزارة، فهي التي تقرّر وهي التي تنفّذ وحدها، وكنا نبّهنا في وقت سابق إلى أن الوزارة هي هيئة تنفيذ وليست هيئة سياسية للتفكير، وأوضحنا هذا بدقة في مناقشة الدستور، والخطأ الذي ظل يُرتَكب من حين إلى آخر هو أن الوزارة كانت تتخذ القرارات بدون وجود هيئة من المتخصصين أو عرض ما تفكر فيه على المختصين، فكان تنفيذ القرارات يتم في غياب هيئة المختصين أو من ينوب عنهم لأن الهيئة غير موجودة والمختصين لم يُعرض عليهم الموضوع، فالوزارة هي التي تقرر وهي التي تنفذ ولا أحد يعارض أو يتحفظ حتى ولو كان القرار ليس محلّ اتفاق أو كان مخالفا لوجهة السياسة المتّبعة، وحتى الحكومة لم يعُد لها رأي فيما تقرره الوزارة أو تنفذه.

ولعله آن الأوان أن يصحَّح هذا الوضع، وتشكَّل هيئة عليا خاصة بالموضوع؛ هيئة تسنُد عمل وزارة التربية وتوجِّهه أو تدعم تفكيرها وتصحِّحه أو توجِّهه إلى ما ينبغي أن يسير عليه في المسائل الدقيقة، هذا ما نريده وما نلحُّ عليه، فالقرارات التربوية التي تُتَّخذ يجب أن تكون معبِّرة عن رأي متفق عليه أو مسايرة لما يعيش في أعماق الأمة وعما تريده أو محدِّدة لفلسفتها وشارحة لمستقبلها، لأن نظام التربية سياسة أمة وليست سياسة قطاع، ومسؤولية دولة وليست مسؤولية وزير، وهذا التصور تحدده الهيئة العليا التي يرجع الأمر إليها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!