-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المحافظون يتوعدون بإزاحة أوباما

محمود بلحيمر
  • 9248
  • 0
المحافظون يتوعدون بإزاحة أوباما

” أعتقد أن سنة 2010 ستكون سنة استثنائية بالنسبة للتيار المحافظ، وأن الرئيس أوباما سيكون رئيس العهدة الواحدة”، بنشوة الانتصار هذه ختم نائب الرئيس السابق ديك تشيني كلمته أمام الندوة السياسية للمحافظين (CPAC)، المنعقدة في نهاية الأسبوع في العاصمة واشنطن.

وإلى نفس النتيجة ذهب رئيس مجلس النواب السابق، الجمهوري نيوت غينغرايش، الذي قال إنه سيتم قريبا الإطاحة بنانسي بيلوسي وهاري ريد من الكونغرس، (وهما الديمقراطيان اللذان يقودان حاليا النواب والشيوخ) وسننتخب رئيسا (جمهوريا) في 2012.

“السيباك” أو ما يسمى بالندوة السياسية لحركة المحافظين في أمريكا، هي حركة سياسية قوية جدا في المشهد السياسي والاجتماعي الأمريكي، تقول إنها تحمل لواء الدفاع عن القيم المحافظة التي قام عليها المجتمع الأمريكي، كما يقولون، كالقيم الدينية والحرية الفردية والحد من تدخل الحكومة في الاقتصاد وفي الحياة العامة ومناهضة رفع الضرائب والإنفاق الحكومي الزائد. كما تشكل النواة الصلبة للحزب الجمهوري. ويعارض هذا التيار بقوة السياسة الحالية لإدارة الرئيس أوباما الديمقراطية.

ويلتقي الضجيج الإعلامي والسياسي المناهض لأوباما الذي خلقته هذه الحركة السياسية مع ما أثارته حركة سياسية أخرى، حديثة النشأة، اختارت لها إسم “تي بارتي” (Tea party)، التي سبق وأن عقدت ندوة سياسية قبل أكثر من شهر حضرتها وجوه جمهورية ومحافظة من بينها المترشحة السابقة لنائب الرئيس، صارة بايلن، ورددت نفس التهم لسياسة أوباما، سيما الإنفاق الحكومي الزائد وارتفاع المديونية ونسبة الضرائب، وبشّرت بحلم العودة القريبة لافتكاك قيادة أمريكا من الديمقراطيين.

يعتقد الجمهوريون أن كل الظروف مناسبة للعودة قريبا إلى تزعم أمريكا. البداية، كما يتوقعون، ستكون هذا الخريف في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، حيث يتوقعون خسارة خصومهم الديمقراطيين للأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، ومن ثم عرقلة أجندة الرئيس أوباما، مما سيمكنهم من تمهيد الطريق لهزمه في الانتخابات الرئاسية لسنة 2012.

ويبني الجمهوريون طموحهم السياسي على التعقيدات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الأمريكيون جراء تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية التي غرقت فيها البلاد منذ منتصف 2008، والتي كانت لها نتائج وخيمة على معيشة الأمريكيين، سيما ارتفاع نسبة البطالة إلى حدود 10 في المائة واستمرار ركود الاستثمار والنشاط الاقتصادي بشكل عام. يضاف هذا استمرار التهديدات بهجمات إرهابية من القاعدة (محاولة تفجير طائرة أمريكية في سماء ديترويت نهاية السنة).  ويقول الملاحظون إن الأمريكيين علقوا أمالا كبيرة على قدوم أوباما إلى الحكم وكانت هناك تطلعات جد عالية، سيما وقف الأثار السلبية للأزمة الاقتصادية والتخلص من سياسة بوش المشؤومة، وهي تطلعات لا يمكن الاستجابة لها منطقيا خلال سنة أو سنتين، مما يفسر ظهور نوع من الاستياء الشعبي، أو انعدام الثقة، حيال قدرة إدارة أوباما على بلورة سياسة تحل أزمة الاقتصاد في ظرف قياسي.

وقبل هذا كان الحزب الديمقراطي، ومنه الإدارة الحالية بزعامة الرئيس باراك أوباما، قد سجل تقهقرا سياسيا ميدانيا وخسارة كبيرة في القواعد اتّضحت جليا في انهزام الديمقراطيين في انتخابات ولايتي فرجينيا ونيوجيرزي حيث عادت لحاكمين من الحزب الجمهوري. كما سجل الديمقراطيون خسارتهم الكبيرة وذات الأثر الحاسم على الأجندة السياسية للرئيس أوباما قبل حوالي شهرين لما فاز الجمهوري سكوت براون بمنصب سيناتور عن ولاية ماساشوستس، وهو المنصب الذي كان يشغله لسنوات السيناتور الراحل تاد كينيدي، أحد مناصري الرئيس أوباما والمتحمّسين لمشروع إصلاح منظومة الرعاية الصحية. هذا المشروع دافع عنه كينيدي في الكونغرس لسنوات، ولما كان قاب قوسين أو أدنى من التصويت عليه رحل كينيدي وخسر الديمقراطيون أغلبية الـ60 صوتا الضرورية لتمريره، ليدخل المشروع في مصير مجهولا طالما أن الجمهوريين عازمون على الإطاحة به قبل أن يولد.

بطء عودة الاقتصاد الأمريكي إلى ديناميكيته، على اعتبار أن مخطط الـ787 مليار دولار للسنة الماضية يلزمة بعضا من الوقت لرؤية نتائج ملموسة له في حياة الناس، زيادة على التراجع الانتخابي للديمقراطيين، الذي من بين أسبابه أيضا أن المستقلين الذين دعموا أوباما يرون ضرورة الذهاب إلى الصناديق هذه المرة، كل ذلك يؤشر على أن الديمقراطيين سيخسرون غرفتي الكونغرس في الخريف القادم، ليصبح أوباما من دون أغلبية تعرقل أجندته السياسية.

الديمقراطيون منشغلون اليوم ببحث ما يمكن فعله لمنع تكرار سيناريو فرجينيا ونيوجرسي وماساشوستس في انتخابات الخريف القادم.

لكن ينبغي أن نذكر أن هذه الوضعية السياسية ليست غريبة، بل هي مألوفة في الحياة السياسية الأمريكية. فالحزب الحاكم عادة ما يخسر الأغلبية في الكونغرس في التجديد النصفي، أي بعد سنتين، ليصبح الرئيس يتعامل مع أغلبية ليست من حزبه. حصل هذا مع بوش مؤخرا، وقبله بل كلينتون وجيمي كارتر، الذي حكم أمريكا لعهدة واحدة، وقبلهم كينيدي.

التداعيات المباشرة للزحف الجمهوري هي أن مشروع الرعاية الصحية، الذي راهن عليه أوباما لرفع شعبيته والبرهنة على أنه أنجز شيئا للأمريكيين، سيكون محل معركة سياسية كبيرة بين الرئيس والكونغرس، بحيث يصر الجمهوريين على رفضه كما طرحته الإدارة، مما يعني التفاوض عليه وربما إفراغه من محتواه أو نسفه بالكامل، وهو ما يعني خسارة سياسية لأوباما. لكن بين أوباما والكونغرس معركة أخرى ستدور حول مشروع خطة اقتصادية لمعالجة البطالة وخلق مناصب شغل، ويلوح الجمهوريون برفضها من الآن بحجة أنها ستؤدي لمزيد من الإنفاق العمومي ورفع المديونية.

لكن يواجه الجمهوريون مشكلتين: الأولى؛ أنهم يفتقدون لشخصية قوية يمكنها جذب الناخبين؛ الشخصية الظاهرة في الوقت الراهن هي “صارة بايلن”، لكن هناك شعور لدى غالبية الأمريكيين أنها غير مؤهلة للمهمة، أي مهمة القائد الأعلى للقوات المسلحة. والثانية؛ أنهم جعلوا من أنفسهم حزب “لا”، كما يسميهم خصومهم، أي معارضتهم فقط لسياسة الإدارة الحالية من دون تقديم مقاربة بديلة لإصلاح المنظومة الصحية وخلق مناصب شغل وتنشيط الاقتصاد.

رغم الخسارة المحتملة في انتخابات الخريف القادم، فأمام أوباما ما يكفيه من الوقت لاسترداد ثقة الأمريكيين، سيما وأنه جعل هدف سياسته للسنة الجارية هو الشغل، وأن العودة الاقتصادية متوقعة بعد سنة من الآن. لكنه مطالب، كما يقول ديفيد غورغن، مستشار لأربع إدارات أمريكية، بأن يكون الرئيس الصلب الذي يقرر ولا يخطب فقط، لأن عهد الحملة الانتخابية قد ولّى، وأنه ليس مطالبا بإرضاء الجميع، لكن أن يحسم فيما يراه مناسبا ويمضي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!