المحيّر في أحداث غرداية!
على الرغم من الإجماع الحاصل في أوساط مواطني غرداية على ضرورة التّعايش والتّحلي بروح المواطنة والابتعاد عن دعوات التّفرقة والفتنة بين سكان وادي ميزاب، إلا أن الأوضاع تنفلت في كل مرة، وتسفر عن ضحايا ومصابين وخسائر فادحة في الممتلكات الخاصة.
حتى إن الوفود التي كانت تتنقل إلى المنطقة وتلتقي أعيان الإباضية والمالكية كانت تتفاجأ من لغة التعقل السائدة والقابلية للتعايش. وهي اللغة التي تغيب تماما عن الشارع وتعوضها لغة عنيفة متطرفة تصل إلى حد ترديد شعار “الإباضية أعداء الله”.. وهو شعار سخيف ضرب قرونا من التعايش بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد، ووجد من يروج له في مواقع التواصل الاجتماعي إما تشجيعا ونشرا لثقافة الكراهية أو استنكارا تضخيما له وإعطاء للانطباع بأن الأمر يتعلق بأقلية تتعرض للقهر والتضييق.
إنّ المحيّر فعلا في أحداث غرداية أنّ الدّولة كان بإمكانها توفير الحماية لكل بيت وكل شارع، وليس صعبا على دولة مثل الجزائر أن تقيم بكل قصر من قصور غرداية، وكل حي من أحيائها فرقة من الدرك الوطني، وتنهي المشكلة أمنيا إلى غاية القيام بتشخيص دقيق للمشكلة في المنطقة وإيجاد حلول نهائية لها. هذا التشخيص كان دوما ينطلق من وجود طائفتين متنافرتين، فتكون الحلول المقترحة كلها تصب في إطار تحقيق المصالحة بين هاتين الطائفتين.
عوض أن تقوم السّلطة بالتشخيص الصحيح للمشكلة وتصور الحل النهائي له، انغمست في الحلول التّرقيعية السّطحية، سواء عبر الوفود الرسمية التي تنتهي بلقاء بين الأعيان مع أن المشكلة أصلا لا تتعلق بالأعيان وإنما تتعلق بالشّارع المنفلت، وتتعلق كذلك ببارونات المخدّرات الذين يدفعون بالشباب إلى الاعتداء على الآمنين في البيوت.
إنّ الخطوة الأولى في طريق حل المشكلة نهائيا في المنطقة هي الإنصات إلى المختصين في علم الاجتماع والتّاريخ ليعرفوا جذور المشكلة. وهي جذور أفرزت تفاوتا اقتصاديا واجتماعيا لم يكن يتسبب في أزمات في الماضي بالنظر إلى حالة التكامل التي كانت سائدة.. لكن الأجيال الجديدة لم يعد يقنعها هذا التفاوت مما يجر إلى حالة احتقان ورفض لهذا الواقع.