-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
حرص على إحياء عادات الأجداد ببلدية حجاج في مستغانم

المختار المسحراتي.. يصدح بصوته وإيقاع قصعته

عثمان ابراهيم
  • 748
  • 0
المختار المسحراتي.. يصدح بصوته وإيقاع قصعته
ح.م

يستيقظ سكان بلدية حجاج بولاية مستغانم منذ سنوات على أنغام الطبل وكلمات “السحور.. الطعام يفور” من طرف المسحراتي “المختار” الذي يتجول في أحياء مدينة حجاج لإيقاظ السكان من أجل تحضير السحور وتناوله، استعدادا ليوم صيام جديد.
المسحراتي السيد “المختار” يجول ويصدح في أحياء المدينة بصوته وهو يربط في عنقه قصعة قديمة ويحمل بين يديه قضيبين من حديد ليقدم السيمفونية الرمضانية “السحور الطعام يفور”، “رمضان كريم.. السحور السحور”، “تسحروا فإن في السحور بركة” على طريقته التي اعتاد الساكنة سماعها منه، رغم الحداثة والتطور المستمر الذي يعيشه المجتمع.
ويعد البعض المسحراتي إحياء لسنة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان المبارك، واعتاد الصائمون على سماع صوته وهو يصدح في أرجاء المدينة، ليعطيهم إشارة البدء بالتحضير وتناول وجبة السحور، كعادة وإرث باتا مهمين في هذا الشهر الفضيل، بحسب المسحراتي، وتبدأ جولته كل يوم من آخر ثلث الليل من أمام مقر بلدية حجاج سيراً على الأقدام، ماراً بالعديد من الأحياء، منادياً بصوته والضرب على قصعته، إلى أن يصل إلى منزله، ويقول السيد “مختار”: “مهمتي كمسحراتي إيقاظ السكان لتناول السحور الذي حث عليه الرسول- صلى الله عليه وسلم-، في حديثه “تسحروا فإن في السحور بركة””.
بإيقاع متناغم وبخطوات خفيفة مع إيقاع قصعته الذي يقطع سكون الليل، يجوب المسحراتي “المختار” الشوارع ليدعو ساكنيها للاستيقاظ من أجل تناول وجبة السحور وتأدية صلاة الفجر.
وقال أحد السكان السيد مجاهد ياسين، “إن المسحراتي اعتدنا عليه منذ سنوات ويعطينا نكهة رمضانية وكأننا في زمن الأجداد، إلا أن هذه العادة اندثرت وتقلص عدد المسحراتيين ولم يبق منهم إلا عدد قليل ببعض المناطق عبر تراب الوطن، ووظيفة المسحراتي الأساسية ما تزال حتى الآن هي الضرب على القصعة بالعصا والنداء، وتترقبه العائلات في الأحياء في الشهر الفضيل، ليعيد لنا ذاكرة أبناء بلدية حجاج، ممن عاشوا فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، أجمل العادات الرمضانية، حيث كان يظهر خيال رجل يحتضن طبلاً ويسير في الشوارع قارعاً عليه، رافعاً صوته بنداءات الاستيقاظ وذكر الله، ومع كل مناداة على وقع الطبل، كان ضوء نافذة يستيقظ مشتعلاً، يستمر المسحراتي في مناداته على النائمين، إما بأسمائهم أو بصيغة جماعية وحين يقترب الشهر الفضيل من الانتهاء، تشوب نبرة صوته في المناداة مسحة حزن، لأن هذه العادة الجميلة ستنتهي بمجرد انتهاء شهر الصوم. وتقول الحاجة فاطمة “إن المسحراتي ينادي علينا بأسمائنا وكان ينادي على زوجي بهذه الكلمات (الحاج محمد نوض تتسحر الطعام يفور نوض تتسحر على بركة الله)”.
ويقول السيد مختار المسحراتي الذي بلغت سنه أزيد من ستين عاما، “ما إن يقترب موعد السحور، أربط القصعة على عنقي وأهيئ نفسي شهرا كاملا أعمل فيها على إيقاظ الناس من نومهم لتناول السحور، من أجل صيام اليوم التالي براحة ودون عناء، اعتدت القيام بهذه المهمة منذ سنوات التسعينيات من القرن الماضي، وحتى ولو تعجب الناس مني، إلا أنني أشعر بسعادة عارمة وأنا أؤدي مهنة المسحراتي بطلب من السكان، فعند اقتراب شهر رمضان يطلب مني السكان إحياء هذه السنة الحميدة وعادة الأجداد الجميلة، وعلى الرغم من تغير العادات والتقاليد في زماننا، وفي ظل وجود التلفزيونات، وأجهزة الهاتف والسهرات الممتدة حتى السحور، فإن المختار يصر على تأدية هذه العادة والسنة سنوياً في شهر رمضان، وهو إلى جانب عشقه للقيام بذلك، يرى في مهمته (واجباً)… عسى أن ينفعني القيام به في آخرتي فيغفر لي ولأهلي ولسائر المؤمنين”.
ويؤكد السيد المختار أن مهمة المسحراتي لا تقتصر على أداء واجب أو تقليد، بل إنها حالة، تتشكل في الوجدان الجماعي، لترسم صورة في مخيلة كل من عايشوه قبل ظهور وسائل الاتصال الحديثة.
ويشير إلى أن المسحراتي يرسخ بالذكريات الدافئة الطيبة عن شهر الخيرات، كما يصفه الناس، فإن المختار لا يتوقف عن الإعلان عن بهجته، وما تحمله ذاكرته من ذكريات تلتصق به، مؤكداً بقوله: “أشعر بالمتعة عندما أتجول بين الشوارع لأكثر من ساعتين، أمتلئ بنشوة حين أضرب على القصعة وأنادي الناس لتحضير الطعام للسحور من أجل الاستعداد على الصيام”.
والمختار يحافظ ويعتني بهذه السنة، وتبدأ جولاته في ليالي شهر رمضان الفضيل من كل عام، عند الساعة الثانية فجراً، حيث يبدأ بقرع قصعته والمناداة: “السحور الطعام يفور” تسحروا فإن في السحور بركة، وغيرها من الأدعية والأذكار وكشف المختار أنه لا يتقاضى أي أجرة على هذه الخدمة، ولكن عند آخر يوم من رمضان يكرمه السكان بمبالغ مالية ترمى عليه من نوافذ العمارات بالنسبة للنساء ويكرمه المارة في الطرقات بما تسمى في عرفهم بـ”الزيارة” فيجمع مبلغا ماليا نظير مجهوداته المبذولة في شهر رمضان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!