-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

 المدارس القرآنية.. شماعة الفاشلين!

 المدارس القرآنية.. شماعة الفاشلين!

عودة إلى ما صرَّح به وزير التربية الوطنية، محمد واجعوط، بخصوص آفة التسرُّب المدرسي، نؤكد بداية، حسب فهمنا لسياق كلامه، أنّ الرجل لم يقصد البتّة الإساءة إلى الزوايا أو المدارس القرآنية، ولا يحمل حديثه أيَّ إشارة في هذا الاتجاه، ولا نشكُّ أصلا في توجّه الوزير نحو هذا المنحى، فهو معروف السيرة والمسار والفكر، لكن ما يُؤخذ على مسؤول القطاع هو أنّ ما ورد على لسانه غير مؤسَّس علميّا، ولا يعكس الواقع، بل إنه يتعمَّد تجاوزه للتغطية على الفشل.

لم يقّدم واجعوط أي إحصاءات وصفية وكميّة لما نعته بـ”الدراسة” في جوابه لأعضاء مجلس الأمة، مكتفيًا بسرد ظواهر خاصّة، هي أقرب للحالات المعزولة بمناطق محددة، والغريب في الأمر أنه قصر أسباب التسرُّب المدرسي تقريبًا على ثقافة المجتمع، إذ عدّد تزويج البنات عرفيّا في بعض المناطق، والتحوُّل والالتحاق بمدارس القرآن والزوايا، قبل أن يأتي على انفصال الوالدين، مما يعرّض الأطفال إلى الإهمال وعدم الرغبة في إعادة السنة.

وحتّى لو سلّمنا بالتأثير الثانوي لتلك العوامل في تراكم الظاهرة، فإنّ الملاحَظ بهذا الصدد هو أن وزير التربية تجاهل تمامًا ما هو أعمق، إذ توصّل مثلاً المرصدُ الوطني الجزائريِّ لحمَايَة الطُفولَة، في دراسة سابقة، إلى أَنّ الجزائر تسجِّلُ سَنَوِيًا أَزيدَ من 200 أَلفِ حَالَةِ تَسَرُبٍ مَدْرَسِيٍّ، مؤكدا أنّ سبب تَفشِي الآفة يَعُودُ إِلى الأجورَ المتدنية للأولياء، ما يَدْفَعُ بِالأَطفَال نحو العَمَلِ الذِي يَسْتقطِبُ نحوَ نِصْفَ مَليُونِ طِفل.

كما وقف البحث على عَدَم تَوَفرِ المَدَارِسِ في مناطق ريفية مع غياب النقلِ المدرسيِّ مما يدَفع بِالتلاميذ للمشيِ عدة كيلومترات نحو المدارس، ناهيك عن المناهج المَحْشوة التي تجعلُ الطفلَ يقوم بِمجهودٍ كبيرٍ يتعدى سِنّه لكي ينتقل إِلى سنةٍ جديدةٍ، وفي النهاية يضطر لمغادرة مقاعد التعليم.

وهنا يبدو التشخيص مختلفا تمامًا، ولا يتقاطع سوى في الإقرار بانعكاس الطلاق والمشاكل الأُسريةُ على الاستقرار المدرسي للتلاميذ، بمعنى أنّ وزير القطاع، وفق التقرير الذي تلاه، يبرّئ ضمنيّا كل الحكومات المتعاقبة خلال 20 عامًا من مسؤولية الفشل في إصلاح المنظومة التربوية، ليحمّلها لأفراد المجتمع دون وجه حقّ.

وإذا شئنا التفصيل في الموضوع، فإنّ تحوّل التلاميذ نحو الزوايا والمدارس القرآنية على محدوديته، ليس سببًا وراء التسرُّب المدرسي، بل هو من نتائجه، حيث يعمد الأولياء إلى نقل أبنائهم إليها لاستكمال مسارهم التعليمي بعد تعذّر مزاولته نظاميّا بالمدارس الحكومية لأي سبب كان، وفي هذه الحالة تقدِّم تلك المرافق خدمة جليلة للمجتمع والدولة، لأنها تنقذ أبناءنا من آفة التسرُّب لتحتضنهم في رحاب اللغة العربية والقرآن الكريم والتربية الروحية.

على وزير التربية أن يطلب من زميله في قطاع الشؤون الدينية تزويده بالأرقام حول مشارب الأئمة وخطباء المنابر وفرسان التراويح، وسيجد أن الزوايا والمدارس القرآنية هي مشاتلهم الأولى بكثير من ربوع الجزائر العميقة، ولولاها لظلت بيوتُ الرحمان اليوم دون تأطير.

إنّ المطلوب هو إيجاد تكامل بين المدارس والزوايا بتجسير العلاقة التعليمية مع الحفاظ على خصوصية كل مرفق، وعلى الحكومة تثمين مخرجات المدارس القرآنية والاستثمار البيداغوجي في أدائها المتميز لسدّ ثغرات التعليم الرسمي، وهذا ما يستوجب مزيدا من الرعاية الماديّة وضمان صيغ قانونية وتنظيمية للاستفادة من موردها البشري في التوظيف العمومي بمؤسسات الشؤون الدينية وغيرها من القطاعات ذات الصلة، لأنّ خرّيجيها، مثل غيرهم من حاملي الشهادات الجامعية، يستحقون العمل في مواقع تتكافأ مع مؤهِّلاتهم العلمية، خاصة إذا توفرت العناية بمناهج التكوين وعصرنته.

أمّا محاربة الجوامع والمدارس القرآنية فهي مشروع العصابة التي فوّضت أمر تربية الأجيال لمن يعبث بمصيرها، وفق أجندات أيديولوجية تغريبية فرنسية تحديدا، حتّى أنها تجرأت على رمي تلاميذها بالضعف ولم تكن صادقة قطّ فيما قالت، كما سعت بكل ما في وُسعها للتحكُّم في تنشئتهم الأولى، حين حاولت إدراج الكتاب المدرسي الخاص بالتربية التحضيرية في المدارس القرآنية والكتاتيب والزوايا.

لذا على وزير التربية الحالي أن يدرك ما وقع فيه من هفوة كبيرة، وينتبه ربّما إلى ما يراد به من محيطه الإداري الذي قد يخطط لما هو أخطر من الرد على أسئلة النواب، لأننا لا نزال نحسن به الظنّ حتى يثبت العكس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • Algerien

    حتى أنا افتاجأت من العنوان

  • شاوي حر

    لم تترك لنا ياسي عبد الحميد مانقول، احسنت التحليل والرد ووضعتيدك على الجرح ،سلم قلمك كفيت ووفيت اجرك الله

  • عبد الحق

    باعتباري متابع يومي ما تكتب بعض الأقلام صاحبة أجندات أيديولوجية تغريبية فرنسية فهذه الأخيرة أعابت حتى على الوزارة إصدار توضيح في ما قاله الوزير وكأن أصحاب الأصوات التي إنتقدت تصريح الوزير لا تستحق الرد لأنهم ربما من الطبقة الدنيا لأنها تدافع عن العربية وعن تدريس القرآن .

  • المرزوقي

    احسنت الرد ، إنه رد رائع .... نأمل ممن لهم صلة بالموضوع من المسؤلين التعاون و الاستجابة لما قاله الكاتب حفظه الله ، و نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه خير الامة الجزائرية و الإسلامية .