الرأي

“المدنية”.. الحق الذي أريد به باطل

عمار يزلي
  • 1847
  • 4
ح.م

ليس من السهل فهم الصراع الحالي في الجزائر دون فهم الصراع الفرنسي في الجزائر من خلال قراءة التاريخ الصغير في كتابات المؤرخين الفرنسيين أنفسهم. شهاداتٌ من الإدارة الفرنسية والبوليس الفرنسي، تشير إليها المؤرخة “أني راي غاولزيغر” في كتابها “المملكة العربية” عن الجزائر المحتلة في عهد نابليون الثالث في منتصف القرن الـ19.

الصراع الفرنسي- الفرنسي داخل الجزائر المحتلة، احتدم أكثر مع بداية توافد المعمِّرين الفرنسيين وغير الفرنسيين إلى الأرض الموعودة قصد تطوير هذا البلد “المتخلف” لصالحها بغية تعويض خسائرها في مادة الخمور التي تكبدتها منذ 1870 بعد هلاك محاصيلها في فرنسا بسبب وباءٍ فلاحي.

توافد الأعداد الضخمة بعد نهاية ثورة المقراني التي أنهتها فرنسا بتنازلها لـ”بروسيا” بيسمارك عن جزءٍ من أراضيها سنة 1870، لكي تتفرغ لثورة المقراني. هذه الأعداد الكبيرة من شذاذ الآفاق، سرعان ما تصادموا مع الجيش الفرنسي وطالبوا فرنسا بـ”دولة مدنية”. فكان الصراع على أشدِّه بين رجال الكنيسة والجيش من جهة والكولون والجيش من جهة أخرى. صراع موثق كله في مراسلات وتقارير الشرطة والمؤرخين وقتها.

“دولة مدنية وليست عسكرية”، كان مطلبا للأقليات الأوربية الكولونيالية المغامرة التي طلبت من العسكر أن يتدخل لحمايتها من الشعب.. الأنديجان.. الغاشي.

اليوم، نفس الأقلية، مع تغيُّر في الألقاب والزمن وفي نفس المكان، تردِّد طاحونتها الدعائية المغرضة ذات الجعجعة الفارغة بلا طحين، وأسطوانتها المشروخة، مولولة على رؤوس “أشهاد ما شافوش حاجة”.

هؤلاء أنفسهم اليوم، هم من يتشدقون بهذا الشعار ـ وهو حق أريد به باطل ـ لأنه ولا أحد ولا اثنان ولا ثلاثة.. لا في الجيش ولا بين ظهراني الشعب من يطالب بالجيش لكي يكون حكما وخصما وسياسيا. الجيش، وعلى العكس تماما، يريد أن يتنصَّل من هذه المسؤولية الثقيلة التي توصل إلى المفسدة، عبر انتقال دستوري، لأن مهامه معروفة دستوريا لا يحب أن يتعدَّاها. لا أحد يطالب الجيش بالتدخل في السياسية.. فأين المشكل؟ المشكل فيهم.. هم.. في أنفسهم.. لأنهم هم كأقليات إيديولوجية يريدون أن يكون الجيشُ جيشَهم يحميهم من الشعب.. هم من طالبوا الجيش بالتدخل في أوائل جانفي 1992 لحمايتهم من الأكثرية الشعبية التي أفرزها الصندوق الشفاف وقتها بشهادة الجميع بذريعة “الظلامية” وكأنهم هم أنوار الله الساطعة.. هم من رفعوا راية الاستئصال وحرق 3 ملايين جزائري إن أمكن لحماية مليون فرد وبقرة.. هؤلاء، الذين كانوا يطالبون الدبابة بالتعامل بالحديد والنار مع المحتجين والمسالمين في الساحات والاعتصامات من الإسلاميين، هم اليوم من ينادون “حووورة ديمقراطية”.. وبالأمس كانوا يقولون “ديمقراطية بلا ما نفوطيو” لما رأوا النتائج ليست لصالحهم في 26 ديسمبر 1991، غير أن الجيش الوطني الشعبي اليوم بقياداته المجاهدة والوطنية المخلصة لوطنها ولدينها ولغتها وهويتها وتاريخها منذ حتى ما قبل جيش التحرير الوطني، لما عاد هذا الجيش بقياداته إلى حضن الشعب ولم يطلق رصاصة واحدة على ملايين المحتجين في حراك سلمي منذ قرابة 9 أشهر، صار المطلب هو “دولة مدنية”.. كان بإمكانه أن يفعل، لكنه بقي مطالَبا بتحقيق مطالب الشعب في ديمقراطية شعبية عبر الصندوق وليس عبر التعيين في الغرف المظلمة كما كانت الحال دوما.

الآن، لما صار الجيش في غير صالح الأقلية الموتورة، باعتراف سعيد سعدي وبومالة اللذين قالا إنه “يجب استعادة الجيش”، وإنّ “الجيش لم يعد ملكنا منذ 2014″، صارت المطالبة بـ”دولة مدنية ماشي عسكرية”.. آآآآالآن وقد عصيتم وكنتم قبلُ من المفسدين؟

مقالات ذات صلة