-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المرأة أمام العنف والعنف المضاد

المرأة أمام العنف والعنف المضاد

ليس بإنسان، كامل الأوصاف الإنسانية، وليس بعاقل مستوف لجميع المدركات العقلية، وليس بمؤمن مسلم، ضليع في الإيمان والتدين، ليس واحداً من هؤلاء، من يعمد إلى زهرة شجية الأريج، فواحة العطر، فيلقى بها في الوحل، أو في سلة المهملات، بدل أن يشم عبقها، أو يستنشق عبيرها.

 فالمرأة في القيم الإنسانية، والمفاهيم العقلية، والتعاليم الدينية، ريحانة كالياسمين تنشر عطرها على البيت، وعلى المجتمع، وكما قال الشاعر:

إن النساء رياحين خلقن لنا     وكلنا يشتهي شم الرياحين

فإذا وجد في المجتمع من يشذ عن هذه القاعدة فما ذلك إلا لخلل إنساني، أو لقصور عقلي، أو لتدين منقوص. وعلى هذا الأساس، فلا ينبغي للمشرعين، في المجتمع، أن يشرعوا على أساس الشواذ، فالشاذ كما يقال يحفظ ولا يقاس عليه.

لذلك، فوجئنا هذه الأيام، بإعادة إحياء ما اندثر من قوانين، وما يلي من موات، أي بعث الحياة في قانون العنف ضد المرأة، والمصادقة عليه من “ممثلي الأمة” في مجلس الأمة.

إن هذا القانون الذي أسال الكثير من الحبر، وتطلب الأكثر من الصبر، قد سبق أن قتل بحثاً، وانتهى الأمر به –كما فهمنا- إلى وضعه في غرفة الإنعاش، والبحث عن بديل له. ذلك أن هذا القانون، الذي يعالج مسألة العنف ضد المرأة، يؤدي إلى التجزيئية داخل المجتمع الإنساني الواحد، ويقسم المتساكنين إلى فئة ذكورية، وأخرى نسائية، بل إنه ليقسم الأسرة الواحدة، ويثير فيها الفتنة، بين الزوج وزوجته، والأب وابنته، والأخ وأخته، الخ، فأي قانون هذا الذي يحول البيت، من خيمة تسودها المودة والرحمة، والحب والصفاء، إلى بيت يعمه الشقاء، والعنف، والعداء.

لطالما، نبهنا وحذرنا، من أن رأب الصدع الاجتماعي أو السياسي، لا يكون بإصدار القوانين العقابية، والتعليمات الردعية، وإنما ينبغي أن يتلمس، في اللمسات الإنسانية، والخطوات التربوية، والعائلية. ثم إذا كان هناك من محاولة لمعالجة ظاهرة العنف، فينبغي التصدي لكل أنواع العنف، أي عنف الرجل ضد المرأة، وعنف المرأة ضد الرجل، أي العنف والعنف المضاد. وكذلك العنف المادي والعنف المعنوي، وكل الأسباب المؤدية إلى مختلف أنواع العنف.

فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً إن ظاهرة العنف الاجتماعي في الأسرة وفي المجتمع، إذا أريد استئصالها، حقا، فيجب أن تخضع أسباب علاجها للتأمل الدقيق، وإن مما نوصي به في هذا المجال ما يلي:

1- أن يضطلع يبحث القضية، علماء ذوو اختصاص في الدين، وفي الاجتماع، وفي النفس، وفي القانون، ليغوصوا داخل مكونات المجتمع، فيستنبطوا الأسباب العميقة المولدة للعنف.

2- استنطاق التاريخ، في مختلف مراحله، بدء بنشأة التشريع الإسلامي، وفي هذا الصدد، نسأل بكل نزاهة وحيادية، هل هناك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، أي أثر للعنف ضد النساء؟ هل هناك من ضرب زوجته رسولاً أو صحابة،  حتى يتخذ ذريعة للعنف.

3- عدم تلوين هذه المطالب بلون إيديولوجي معين، بمعنى تخليص هذه المطالب من لوثة مؤتمر بكين أو القاهرة، وجعل المطالبات بإصلاح البيت، نابعات من رحم المجتمع المسلم، بحيث يمثلن نبض الأسرة والمجتمع بكل صدق ووفاء، وفي هذا المجال، نطمح إلى أن يضطلع بهذه الرسالة أمهات أصيلات، وبنات وفيات لدينهن وشعبهن.

 الحذر من معالجة القضية بعيداً عن المرجعية الدينية الأصيلة، باستلهام الأحكام والتعاليم من النصوص القرآنية الأصيلة العاكسة للفهم الصحيح للدين، والتطبيق الأمثل للتدين.

العمل على بث ثقافة الزواج والوئام الأسري لدى الأجيال الصاعدة، بإحداث التأهيل المطلوب، لدى الولد ولدى البنت، للتحلي بأخلاق التعايش في ظل الاستقرار العائلي، الذي يرفرف بين أرجائه الحب والحوار، والتفاهم، ففي ذلك وضع لأساس بناء البيت الخالي من الزعازع وكل أنواع العنف، الذي من شأنه أن يعكر صفو الحياة، ويبث الفرقة والشتات.

أما إجراؤنا، الذي نسير عليه، من محاولة استيراد القوانين الجاهزة، من بكين أو القاهرة أو موسكو أو نيويورك، فتلك قوانين مؤتمرات وضعت للمرأة اللادينية، وللمجتمعات العلمانية، وإن استنساخ تلك القوانين وإسقاطها على واقع امرأتنا، مثله كمن يأتي بقبعة يهودية أو نصرانية، ويضعها على رأس امرأة متجلببة، أو رجل معمم ذي “برنوس” أو “قشابية”.

فأيا كانت مصادقة النواب على قانون العنف ضد المرأة، فإننا نناشد رئيس الجمهورية بالذات، بأن يعيد هذا المشروع إلى أهل الحل والعقد، ليعيدوا دراسته بشكل موسع، ودقيق وعميق، فيشركوا فيه كل الفاعلين في الساحة الوطنية من علماء، وأطباء، وقضاة، ودعاة، وعلماء اجتماع، وعلماء النفس، ومنظمات نسائية أصيلة ونبيلة كي ينزلوا المشروع على واقع المرأة والرجل معاً، فيخلصوا الجميع، من آثار الغزو الفكري الأجنبي، ويمكنوا من تجاوز العقبة وما أدراك ما العقبة، حتى يرسو الجميع على مرفإ ما يعرف عند بعض المفكرين بـ “أسلمة الحداثة”.

وإذن، فإن “قانون العنف” ضد المرأة ينبغي أن يصاحبه قانون ضد العنف المضاد ممثلاً في القوانين التعسفية، والمبالغة في التدابير الردعية، واللجوء بدل ذلك إلى إعادة الوعي المفقود، لدى أبناء المجتمع الواحد، وكما قلت في مستهل مقالي، فإنه لا يوجد إنسان كامل الإنسانية، ولا عاقل تام المدركات العقلية، ولا مؤمن مسلم، عميق الفهم لدينه وإيمانه أن يؤيد العنف ضد المرأة أو الطفل أو الرجل، فإن مثل هذا العنف، هو حيوانية تشوه وجه الإنسان وصورته، وتهوي به إلى الدرك الأسفل من الحيوانية.

كما أن من يدعون المرأة المسلمة إلى السفور، ونزع الحجاب، هو عنف آخر، يدخل ضمن العنف المضاد ضد المرأة المتدينة الأصيلة والنبيلة.

وقد اتصل بي وأنا أعد هذه الافتتاحية ابننا محمد الأمين من شعبة معسكر، يسألني عن تعامل جمعيتنا مع غير المحجبات، فأجبته بأن حالة السافرة، هي كحالة أصحاب الأعراف، عسى الله أن يتوب عليهن، ونحن مطالبون بأن نمد لهن يد التسامح، والتفهم، حتى يلتحقن بالصف، ويتخلصن من بقايا الجاهلية الحديثة. والله يهدي إلى سواء السبيل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • الجزائرية

    كلامكم في محله أستاذناالفاضل فلقد كرم الإسلام المرأة وبجلها بمكانة عالية.وكان كذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته عليهم رضوان الله وتابعيه والصالحين والمتدينين والحافظين لحدود الله إلى يومنا هذاوقد حدثتني إحدى طالبات الجيل الأول للجامعة الجزائرية بعدالإستقلال عن الشيخ أحمد حماني رحمه الله و هو الرجل الورع حيث كن يلبسن لباسا قصيراأوربيا فكان ينصحهن بطريقة أبوية دون تجريح وكان إذا وجد زوجا صالحا يدله على إحداهن ليتم سترهن فأين نحن الآن؟المرأة الصالحة تحتاج لرجل صالح كذلك ليحافظ عليها.

  • سيد علي

    صدقت يا دكتور ولعنة الله على المتفسخين المنحلين الذين لا دين له ولا قيمة في ميزان الشرف والكرامة !