الرأي

المرحلة‮ ‬الانتقالية‮.. ‬طرحٌ‮ ‬بلا‮ ‬معنى

حسين لقرع
  • 5063
  • 2

كثُر الحديث في الأيام الأخيرة عن إمكانية الذهاب إلى مرحلة انتقالية مدتها سنتان تعيد فيها الطبقة السياسية ترتيب أوراقها والخروج بالبلد من حالة الارتباك التي تعيشها قبل العودة إلى الوضع الطبيعي، وبرزت اقتراحاتٌ عديدة بأن يتولى المرحلة الانتقالية الرئيسُ الأسبق‮ ‬اليامين‮ ‬زروال،‮ ‬وقد‮ ‬انتقلت‮ ‬لهذا‮ ‬الغرض‮ ‬وفودٌ‮ ‬عديدة‮ ‬إلى‮ ‬بيته‮ ‬بباتنة‮ ‬لإقناعه‮ ‬بالفكرة‮.‬

والواقع أن هذا الطرح يؤكد أن السلطة لم تتمكن بعد من تجاوز مرحلة الارتباك والتخبُّط التي أعقبت التدهور المفاجئ لصحة الرئيس بوتفليقة، والتي تضاعفت بعد أن مرّ شهران كاملان على خضوعه للعلاج في فرنسا دون أن تظهر مؤشراتٌ حقيقية لتعافيه وعودته إلى الوطن قريباً لاستئناف مهامه، ما يضاعف الضغط عليها أكثر؛ فإذا كان مطلبُ المعارضة بتطبيق المادة 88 من الدستور في الأيام وحتى الأسابيع الأولى لمرض الرئيس، قد بدت عليه مظاهرُ الاستعجال ولم يكن مُقنعاً للرأي العام، فإن هذا المطلب يبدو الآن وجيهاً ومبرّراً بعد أن مرّ شهران كاملان‮ ‬على‮ ‬مرض‮ ‬الرئيس‮ ‬وسقطت‮ ‬كل‮ ‬التطمينات‮ ‬الرسمية‮ ‬التي‮ ‬تتحدث‮ ‬عن‮ “‬الصحة‮ ‬الجيدة‮” ‬لبوتفليقة‮ ‬وبأن‮ ‬عودته‮ ‬إلى‮ ‬البلاد‮ ‬باتت‮”‬وشيكة‮” ‬ومسألة‮ ‬وقت‮ ‬فحسب‮.‬

وانطلاقاً من هذا الوضع غير الطبيعي الذي يعيشه البلد طيلة شهرين، فإن السلطة، أو جناح منها على الأقل، بدأ يفكّر فعلاً في البدائل المتاحة ويطرحها كبالونات اختبار، ومنها الرئيس الأسبق اليامين زروال، ولكن يبدو أن فكرة الترشح لانتخابات رئاسية يتولى زروال إثرها الحكمَ لمدة 5 سنوات لم تُقنعه، برغم تعدّد الوفود التي”أُرسلت” إلى باتنة لإقناعه بالفكرة، فقد غادر الرئاسة في 1999 وفي نفسه شيء وإن لم يصرِّح به، وهو غير متحمِّس للعودة، فاهتدت السلطة إلى فكرة أن يتولى فقط “مرحلة انتقالية” لمدة سنتين لا أكثر، ريثما تجهّز بديلاً‮ ‬آخر‮.‬

وسواءً قبِل زروال فكرة “المرحلة الانتقالية” القصيرة، أو رفضها وتشبَّث بالاعتزال النهائي للحياة السياسية، فإن طرح هذه الفكرة وفي مثل هذه الظروف، يؤكد أن السلطة لا تزال تصرُّ على إدارة شؤون البلد بنفس الذهنية القديمة القائمة منذ أكثر من نصف قرن؛ ففي كل مرة تقدّم إحدى الشخصيات الوطنية للشعب وتطلب منه تزكيتها، ولم يختلف الأمرُ حتى أثناء التعددية الحزبية، فقد جندت كل وسائل الدولة لإنجاح زروال في رئاسيات 16 نوفمبر 1995، تحت طائلة تخويفه من “البعبع” الإسلامي في وقت غرقت فيه البلاد في بحر من الدماء، وقدمت بوتفليقة في رئاسيات 15 أفريل 1999 على أساس أنه “مرشح إجماع وطني؟” وهي تعيد الآن، بشكل خفي وبالإيعاز إلى “حواشيها” من منظمات جماهيرية وسُلالية، طرح زروال مجدداً كـ”رجل المرحلة” و”المنقذ الوحيد للبلد من الأخطار التي تهدده؟” وكأنَّ الجزائر قد عقمت ولم تعد تنجب غير هذه‮ ‬الشخصيات‮ ‬الهرمة‮ ‬التي‮ ‬تُستخرَج‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬مرة‮ ‬من‮ ‬الأرشيف‮ ‬وتُلمّع‮ ‬وتُقدم‮ ‬للرأي‮ ‬العام‮ ‬في‮ ‬صور‮ ‬المنقذين‮ ‬والمخلّصين‮ ‬المزعومين‮.‬

العالم كله يتغيّر ويسير إلى التشبيب وإلى الدمقرطة، حتى المنطقة العربية تتغير، ولكن السلطة التي تحتكر الحكمَ منذ 1962 إلى الآن تأبى أن تتبدد أو تتجدد وتواكب مستجدات المرحلة وتتكيف معها، بل تغيِّر جلدها فقط لتواصل احتكار الحكم في ثوب جديد وتحرم الشعب مرة أخرى من قول كلمته في انتخابات حرة وشفافة، ولو كان الأمرُ غير ذلك، لما طُرحت فكرة “المرحلة الانتقالية” أصلاً، فلا شيء يبرّرها، والوضع الآن ليس كما كان غداة إيقاف المسار الانتخابي في 11 جانفي 1992، فلمَ نعود إلى الوراء عن طريق الذهاب إلى “مرحلة انتقالية” جديدة؟‮ ‬والحال‮ ‬أنه‮ ‬يمكن‮ ‬إجراء‮ ‬انتخابات‮ ‬رئاسية،‮ ‬مسبقة،‮ ‬أو‮ ‬في‮ ‬أفريل‮ ‬2014،‮ ‬والمرشح‮ ‬الذي‮ ‬يمنحه‮ ‬الشعب‮ ‬الأغلبية‮ “‬مبروك‮ ‬عليه‮”‬؟‮ ‬باختصار‮: ‬متى‮ ‬تتغير‮ ‬السلطة‮ ‬وتسمح‮ ‬للشعب‮ ‬بأن‮ ‬ينتخب‮ ‬رئيسه‮ ‬بدل‮ ‬أن‮ “‬تنتخبه‮” ‬له؟

مقالات ذات صلة