-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أقواس

المساجد والثقافة وصناعة القارئ

أمين الزاوي
  • 6617
  • 0
المساجد والثقافة وصناعة القارئ

ثم ماذا لو أننا وسعنا مثلا من جبهة الكتاب لتمتد وتصل إلى فضاءات هامة وكثيرة ظلت إلى حد الساعة مهمشة، مبعدة أو غير مفكر فيها بالشكل المطلوب، وأعني بذلك المساجد ودور العبادات.

  •  
  • (حاورت ألف عالم فغلبتهم وحاورني جاهل فغلبني)
  • ثم ماذا لو أننا؟؟؟؟ 
  • تخيلوا معي لو أن كل مؤمن متعلم يدخل على الأقل ثلاث مرات إلى المسجد، فيجد خزانة كتب مرتبة متنوعة يشرف عليها قيمون اختصاصيون في علم المكتبات وسوسيولوجيا القراءة والقارئ.
  • تخيلوا معي كيف ستكون، ساعتها، هذه البلاد من حيث الكتاب والثقافة والحوار الحضاري العالم العارف الذي يقطع الطريق أمام كل أشكال الجهل والفتانين والمخربين والسابحين في الماء العكر: ماء السياسة والثقافة والدروشة.
  • ثم ماذا لو أننا فتحنا مكتبات عمومية جادة ونظيفة في كل مساجد الجمهورية.. أقصد مكتبات احترافية عامرة ومعززة بأرصدة غنية ومتجددة في العلوم والآداب والدين والفلسفة والفنون والتراث.
  •  
  • في الجزائر أزيد من مائة ألف مسجد، تبارك الله..
  •  
  • تخيلوا معي لو أن العشر فقط من عدد هذه المساجد تحتوي خزانات مليئة بكتب في الحكمة والشعر وعلم الفلك والرواية والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والدراسات اللغوية والتراثيات والفقه والقانون، لخرج الكتاب ومثله الكاتب ولخرج الناشر أيضا من حالات اليأس الثقافي والاقتصادي والمعنوي أيضا ولقلت الشكوى وتهاوت حيطان البكاء وتغير خطاب القائلين بأزمة غياب القارئ والمقروئية ولتغير السلوك الفردي والجماعي، ولتغيرت الجزائر الثقافية والحضارية كثيرا كثيرا… ولتغير سلوك الإنسان الجزائري رأسا على عقب.
  • إدخال الكتاب والكاتب إلى المسجد لا يعني مطلقا المراهنة على الحرية، حرية الكتابة والتخييل والرأي، بل العكس من ذلك هو إعادة المسجد إلى حقيقته الرمزية والتاريخية والحضارية التي ظل عليها منذ أن أنشئ أول مسجد في الإسلام، وهو أنه فضاء لعبادة الله وللتحصيل العلمي الجاد بعيدا عن التخريف والتحجر.
  • ألم تكن المساجد طوال التاريخ الإسلامي هي حاضنة المكتبات الكبرى والخزانات العامرة التي خرجت آلاف العلماء والأدباء والفقهاء والمؤرخين، وهي التي أوصلت لنا ولغيرنا من الأمم في الشرق والغرب العلوم بكل أصنافها إبداعا ونقلا؟.
  • إدخال الكتاب الإبداعي الجاد والفلسفي والنقدي إلى جانب الكتاب الديني المؤسس إلى بيوت الله هو تحرير للمسجد الذي هو فضاء التنور من كل ما قد يتسرب إليه من جهل أو تجهيل، وبالتالي إلحاق هذا الفضاء الحضاري الكبير ببيوت العلم والمعرفة والحوار المؤسس.
  • وإن في تموقع فاعل للمثقف الأديب والفيلسوف والشاعر إلى جانب الفقيه في هذا الفضاء الدافئ هو سبيل آخر إلى جمعنته وإعادة الصورة الحقيقية التاريخية إليه: صورة فضاء الجدل العالم المؤمن لا جدل الغوغاء والسوقة.
  • وفي الوقت نفسه يستعيد المثقف الإبداعي في كل حقول المعرفة الدينية والدنيوية، اللاهوتية والناسوتية، حقه الرمزي في الانتماء إلى هذا الفضاء العارف والعرفاني.
  •  وحين تحتفل بيوت الله العامرة بالمؤمنين والمؤمنات بالكتب وبالكتاب وبالحوار العارف  المدجج بالأصول والأصالة والمرتبط في الوقت نفسه بالإنسان الذي خلقه الله وموقعه في كل مكان وأمره بالعلم والقراءة، وربي إنها لتلك هي الصورة المثلى والتي عليها أن تكون بيوت الله عامرة بالإيمان وبالعقل وبالقلب وبالرمز..
  • ثم ماذا لو نظمت، مثلا، في بيوت الله العامرة بالمسلمين المؤمنين أحفاد أكبر شعراء الانسانية من طينة حسان بن ثابت وكعب بن زهير وابن الفارض والخيام وحافظ وفريد الدين العطار ورابعة العدوية والأمير عبد القادر وغيرهم استراحات احتفاء بشعراء هذا الدين الإنساني العظيم ذي الحضارة المتميزة وهذه اللغة العربية الجميلة المعرضة يوما بعد آخر للتلوث والمهددة بالانقراض.   
  • ثم ماذا يا ربي لو أننا نستيقظ صباحا، هكذا ذات يوم من أيامنا العصيبة هذه، لنشهد جموع المسلمين يهبون للصلاة ثم بعد أدائها وفي المكان ذاته يهرعون للاستماع إلى نصوص أدبية راقية الحس والجمال للمتنبي أو جرير أو ابن هانئ أو محمود درويش أو عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) أو البياتي أو مفدي زكرياء أو سميح القاسم.. جميع هؤلاء الشعراء وكثير غيرهم تخرجوا من تحت قبة بيوت الله ومن خزاناتها ومن على حصير الكتاتيب القرآنية البسيطة والعميقة، جميعهم مروا بدءا على القرآن الكريم فسكنوه وسكنهم.
  • فلماذا اليوم، يا ربي، هذه البيوت الكبيرة المليئة بالرحمن وبالرحمة، تنساهم أو تتجاهلهم، ينسوها أو يتجاهلوها.  
  • لكم هم كثر، ملايين أولئك الذين يلبوا نداء الصلاة بوصفها درة الدين وقرته، ولكن لكم هم يحلمون وفي الوقت نفسه بالاستماع إلى محاضرة في الفلسفة الشخصانية أو التاريخ أو علم الاجتماع أو المنطق أو أبواب الفهوم الأخرى التي ناقشها، دون حرج، علماؤنا عبر العصور على بسط أكبر مساجد عرفها التاريخ الإسلامي.
  • بالحوار الجاد والأصيل البعيد عن كل مغالاة أو غوغائية، الحوار العالم حيث لا سلطة فيه سوى سلطة المعرفة التي لا تشوبها شائبة، بمثل هذا السلوك الحضاري والتنظيمي نعيد مؤسساتنا الدينية إلى التاريخ، وبالتالي يمكن فتح باب الاجتهاد المسؤول أمام المجتمع الإسلامي المعاصر
  • لن يكون قلب المؤمن عامرا بالإيمان الحق إلا إذا كان عامرا بفيض العلم الذي يوصل إلى السلوك النظيف.
  •  لن تكون بيوت الله عامرة بالإيمان الحق الكامل إلا إذا كانت عامرة بالعلم والأدب والفهم، زاخرة بحلقات العلماء والفهماء، حينها فالمؤمن الذي يرتاد بيوت الله هذه وهو محوط بالفكر وبظلال الحضارة وبالإيمان القوي لا يتزحزح أمام مال ولا أمام بهرج سلطة…
  • إن الإيمان المدجج بالعلم وبالثقافة أعظم من الإيمان الجاهل. إن الإيمان الجاهل أو الساذج  يولد ويورث عطبا في السياسة ويكون صاحبه ضحية سهلة في متناول الأيديولوجيات المتعصبة حارقة الأخضر واليابس، وهو ما نلاحظه ونعيشه اليوم حيث تهجم علينا يوميا  هذه الأفكار الهدامة القادمة من كل الجهات وبكل الألوان واللغات واللهجات.
  • في غياب سلطة الثقافة الجادة فهما وسلوكا والمتمترسة بالكتاب القويم أساسا، تكون البلاد ويكون العباد في البلاد عرضة لانتهاكات فكرية مشوهة قادرة على هزهم وهزمهم في كل لحظة
  •  ما أسعدنا إذ نسمع بفكرة الاستثمار العقاري وتأسيس مؤسسات صغيرة أو متوسطة بأموال الزكاة، بهذا السلوك، مثلا، وبهذا القرار الواعي والمعاصر رفعت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف خطاباتها إلى مستوى حضاري كبير، بهذه الأفكار خرجت الوزارة إلى الاجتهاد العالي الذي يتجاوب وأسئلة الراهن الحضاري والإنساني والاقتصادي. دون شك فإن الأفكار الكبيرة والجديدة تعارضها غوغاء كبيرة وكثيرة، وهو دون شك ما حصل لأفكار الاجتهاد الأصيل والمؤصل عبر كل الأزمنة وفي كل الميادين ولدى كل شعوب الأرض.
  •  ما أسعدنا أيضا وبنفس الروح الاجتهادية لو أن بيوت الله أيضا تفتح عتباتها بوعي وبمسؤولية للفهماء والعلماء والأدباء ذوي الكفاءات التي لا يشك فيها لتتحول بالفعل إلى بيوت للحكمة، بيوت للحوار العالم العارف في اللاهوت والناسوت، حوار لا يثير الفتنة بل يثر الغيرة على ديننا وعلى حضارتنا العريقة
  •  حين يؤمن الجميع بأن العلم عبادة أيضا.. وأية عبادة، آنذاك علينا إعادة النظر في تصوراتنا للثقافي، في تصوراتنا لخارطة تموقع الكتاب في بلادنا خاصة، في تصوراتنا عن كيفية صناعة القارئ.
  •  
  • لا مواطنة بدون قراءة. القراءة واحدة من التعريفيات الأساسية للمواطنة المعاصرة
  • .
  • كل ما يمكن أن تحققه السلطة الوصية على الثقافة من خلال مشاريعها في مجال الكتاب والمكتبات. كل ما يمكن أن تقوم به الوزارة الوصية على التربية الوطنية أو الوصية على التعليم العالي لا يمكن لهذه المجهودات أن تكلل بالنجاح المرغوب والمحلوم إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار في كل هذه الاستراتيجيات الثقافية والتربوية والعلمية مسألة الاستثمار في فضاءات بيوت الله، وذلك بالسعي مع السلطة الوصية على الشأن الديني بتحويلها إلى مراكز حقيقية وفاعلة في المعرفة والأدب والثقافة والحوار دون الانتقاص أو المس في أدوارها العظيمة المتمثلة في أداء الواجب الديني
  • بهكذا تصور شمولي يمكن أن نتخلص من التفكير الأحادي القطاعي، ونحن في نهاية الأمر نسعى لخدمة إنسان واحد، هو ذاك الذي يتحرك من الأسرة إلى المدرسة إلى المكتبة إلى العمل إلى المسجد إلى الشارع.. لقد حان الوقت لتثمين العلاقة ما بين هذه المحطات العمومية في الحياة: المدرسة، العمل، المكتبة، المسجدلأنها هي وفي المقام الأول والأول والأول الفضاءات التي يمر فيها الإنسان الجزائري مقيما، عابرا أو عاملا.
  •  
  • ثم ماذا لو أننا؟؟؟
  •  
  • بهذه الرؤية التي تحتاج إلى جرأة ثقافية ربما في قراءة الفضاء وفي قراءة توزيع الخيرات الفكرية ووسائلها كالكتاب والمكتبات والكتاب والمثقفين المنتجين للخيرات الرمزية، بمثل هذه المقاربة يمكننا إخراج الفعل الثقافي والفاعلين الثقافيين من العزلة، وفي الوقت نفسه إخراج الفضاءات العمومية الدينية والروحانية المحترمة من برودتها ومن الحصار أو شبهه الذي تعيشه ظاهرا أو مستترا.

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!