-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المساحيق “للمزاعيق”

عمار يزلي
  • 1203
  • 0
المساحيق “للمزاعيق”

مع كل صيف، “تبحر لي” عندما أفكر “وين نبحر” هذا العام! فالبحر أمامنا والعدو وراءنا، والعدو بطبيعة الحالة هو الحر! فأين المفر؟

صيف هذا العام، جاء بعد ما عملت الحكومة على تقليص نفوذ الخواص في تسيير مواسم الاصطياف! استغلال برهن على سوء تسييره وفساده: خيمة بألفي دينار أو أكثر لسويعات قليلة، في محيط لا دورات للمياه فيه على كثرة مياه البحر والمحيط! لا خدمات جيدة ولا حتى مقبولة، هذا إن وجدت خدمات! كل الخدمات المقدمة لا ترقى إلى “خدمة الرعاين”! وسخ، رمال متسخة، صخب وجلبة، لا حراسة أحيانا، وإن وجدت الحراسة، تجد الحراسة ولا تجد لا الحرس ولا الحراس.. مع ذلك، تدفع ثمن ركن السيارة دون ضمان بعدم السرقة، وتكري شمسية بألف دينار أو تزيد..

لست هنا لكي أصف حالة الشواطئ عندنا عندما يسيرها الخواص، لأنها هي  نفس عينها لما يسيرها العوام من العموم! الدولة أيضا لما كانت تسير الشواطئ بالمجان، كان نفس الوضع الكارثي لمواسم الاصطياف وهذا في غالبية الشواطئ الوطنية، شيء واحد يفرق، وهو أن المصطاف أيام تسيير الدولة، كان مجانا وبدون خدمة ولا خدمات، ومع الخواص، “تخلص الدراهم لكن بدون خدمات”. هذه السنة، لست أدري كيف سيكون الحال في كثير من الشواطئ، لأني مازلت لم أزر شاطئا واحدا، ولن أفعل! فهذه من عادتي، لا أريد أن أرى الفضائح على المباشر من خلفي ومن أمامي ومن تحتي..! فضائح أخلاق وخلق فضائح!

ما كنت أود أن أشير إليه في هذا السياق، هو أن الدولة، عندما فكرت في سحب تسيير الشواطئ العامة من الخواص، إنما هو بغرض إصلاح ما أفسده الدهر بعدما عملت البلديات على التخلص من هذا الخدمة للمصطافين، واكتفت بكراء الشواطئ لمسيرين خواص، حتى يسهل عليها جمع المال أولا، ثم إعطاء المشاريع لمن لا يستحق، وأحيانا… بل وغالبا، مقابل مستحقات خارج القانون.. المسماة “تشيبا”. هكذا، البلدية تأكل وتوكًل، لكن الخاسر هو الزبون المصطاف، وكأن البلدية تبيع المصطاف بثمن بخس لكي يعمل فيها الخاص ما لم يفعل فيه العام! هكذا، يصبح المواطن، عبدا مملوكا للبلدية، أي للحكومة، تبيعه للخواص ليخسر هو صيفه وتربح هي مرتين: المرة الأولى من خلال ربح القائمين على الصفقة في البلدية، من خلال قيمة “الشيبا”، وتخسر البلدية ـ ولو ربحت ـ  بربحها القليل من هذا الكثير الذي تجنيه من كراء الشواطئ! فلا البلدية ربحت، باعتبارها مؤسسة إدارية عمومية حكومية، (لأن قيمة الصفقة اقتسمت مع جيوب الذيوب!)، ولا المواطن ربح! اللهم إلا إذا قلنا “ربح الخسارة”. ولهذا تجد في هذه الصفقات الرابح  الأوحد الأكبر هم اثنان: المشرفون في البلدية على صفقة الكراء من جهة، والخواص المستفيدون من جهة ثانية! فالمسئول في البلدية (وهذا في كثير من الأحيان! قد لا نعمم، ولكن هذا معمول به وبكثرة!)، يربح شيئين اثنين: راحة البال، لأنه لن يكلف نفسه عناء التسيير والتعب مع المصطافين، ولأنه استفاد شخصيا من الصفقة وربح بدون أن يتعب! وهذا ينطبق تماما على ما أسميه “قانون شروط العمل” عندنا! فالجزائري يشترط في العمل ثلاثة شروط: الكم، السرعة، السهولة! بالفرنسية، يمكن تلخيص هذه الشروط كما يلي: (Quantité, rapidité , facilité). وإن لم تتوفر هذه الشروط في أي مشروع، فلا يمكن للجزائري أن يستلمه، لأنه يرى فيه مسبقا خسارة مضمونة! فالعمل الذي يتطلب منه وقتا طويلا ومالا قليلا وتعبا، لا يمكن قبوله ولو مات جوعا!

هذا القانون ينطبق على البلديات وعلى الخواص: مسير الأمر على مستوى البلدية (لجنة كانت أو أفرادا أو بقرات!)، ترى الكمية أولا: كم تدفع؟ (لنا وللبلدية!) فإذا كان الدفع للجيوب مرتفعا، أي نسبة “التشيبا” عالية، وهي عادة ما تكون أكبر أو تساوي عشرة في المائة، فنسبة نجاح الصفقة أكبر، لأن المستفيد الأول سيستفيد أكثر من المستفيد الثاني الذي هو البلدية، لكن المستفيد الثالث، سيتضرر، في رأي نفسه!، لأنه سيدفع لمتعاملين اثنين: البلدية و”التشيبا”، وعليه، سوف يقبل بعد التفاوض بالصفقة، ولكنه سيعمل على استرجاع قيمة “التشيبا”، وحتى قيمة الكراء ممن؟ من الزبون! أي من المصطاف! فإذا كان عليه أن يقوم بعشرة خدمات ممتازة في دفتر الشروط (هذا إن وجدت أصلا هذه الشروط وهذا الدفتر!)، فلن يقدم منها إلا خدمتين بائستين! وإذا كان عليه أن يكري الشمسية بمائة دينار، فهو يكريها بألف، وإذا كان عليه أن يكري الخيمة بـ200 دينار، يكريها بألفي دينار. وإذا كان عليه أن يوظف 10 عمال نظافة، فلن يوظف إلا واحدا، وهذا الواحد هو واحد منهم.. من أصحاب الصفقة، أنفسهم!: زيتنا في بيتنا! وهذا ليس عيبا! لكن أصحاب الزيت لا يعملون حتى في البيت، فما بالك أن يعمل “الباترون” في لابلاج! صاحب العمل في الشاطئ، هو “شاف”! والشاف لا يعمل، لأن كل عمله هو احتلاس صاكوشة فلوس كحلة، وكاصكيطا خضرا،  وصاندالا قهوية وشورت أحمر، ويأتيك مرملا كسردينة تنتظر دورها في أن ترمى في مقلاة الزيت.. يأتيك حتى قبل أن يرتد إليك طرفك وقبل أن تجلس ليخلص عليك قبل أن تتنفس! بعدها لن تراه..

صاحب الصفقة في البلدية، أخذ “التشيبا” وراح يبحر في مكان ملائم له خارج البلاد، والمستفيد من الصفقة، يمتص الدم من العباد، والمصطاف يحترق تحت ثلاثة نيران صديقة: نار الحر ونار الضر ونار الشر!

لهذا كله، فهمت الدولة، أنه عليها أن تربط المواطن بالسياحة الصيفية الداخلية بأن تنزع من البلديات ومن الخواص هذه الخاصية التي يكون المتضرر والمفلس الوحيد فيها هو المواطن المغلوب على أمره، على أمل أن تقلص الدولة من هروب دوفيز السي عبد العزيز إلى تونس وإسبانيا وتركيا والمغرب وباريز!

لكن السؤال المفحم هو: هل أننا نملك عقلية السياحة وثقافة السياحة حتى نجلب بها السائح الجزائري أو الأجنبي؟ أبدا! صحيح أننا نملك أحسن الأماكن الطبيعية صيفا وشتاء وخريفا، تلا وبحرا وصحراء، لكن ما ينفع “العود” إذا كان العود أعوج؟ وما ينفع العطر مع العرق، وما تنفع المساحيق مع “المزاعيق”؟

مقالات ذات صلة
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • الاسم

    ينفع العود إلا كان معوج في حالات نادرة أهمها:
    .
    .
    .
    .
    .
    .
    .
    .
    عكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاز.