الرأي

المضحك المبكي في قمة نواكشوط!

قادة بن عمار
  • 4759
  • 10

من المُضحكات المبكيات في قمة موريتانيا الأخيرة للاتحاد الإفريقي أن يكون موضوعها الذي تم اختياره من أجل المناقشة والتباحث، هو “مكافحة الفساد في القارة السمراء” رغم أن نصف أو أكثر من نصف الموجودين في القاعة ضالعون في الفساد ومتورطون فيه أبا عن جدّ!
يكفي أن هذا الفساد يضيّع على إفريقيا سنويا أزيد من 50 مليار دولار، كان من المفترض أن تذهب لمشاريع توفير الماء والدواء والتنمية، علما أن هذا الرقم يعدّ “رسميا جدا” وبعيدا عن الواقع الذي يبدو أكبر وأكثر تعفنا. ولهذا، وجد معظم المتابعين أنفسهم أمام تناقضات كبيرة وهم يطالعون مُخرجات قمة نواكشوط، فكيف لفاسد أن يحاكم فاسدا آخر أو حتى يقاضيه ويُبعده؟ لا بل إن فساد معظم الأنظمة السياسية في إفريقيا قد امتد وتطوّر إلى حدّ تشكيل جماعات مسلحة والتحالف معها، للبقاء في السلطة أو الوصول إليها والأمثلة على ذلك كثيرة، مثلما هو الأمر بالنسبة لجماعات “بوكو حرام” أو حتى لجماعات الإرهاب التي تشكلت في دول الساحل وتتزعم فرنسا حلفا لمحاربتها منذ فترة.
فرنسا التي تورطت في ممارسات استعمارية بغيضة وساهمت بشكل كبير في حماية الفساد والمفسدين، تريد اليوم الظهور بثوب “المخلّص” وبأنها نصيرة الديمقراطية ومحاربة الإرهاب في المنطقة، رغم أنها تلقت وخلال قمة موريتانيا ردا سريعا وضربة موجعة حين قامت جماعات إرهابية بقتل ضباط كبار في القوة التي شكلتها باريس وتتألف من 5 دول بالساحل وهي القوة التي رفضت الجزائر الانضمام إليها في تصرفٍ حكيم وايجابي.
الأمر المضحك المبكي الآخر في قمة موريتانيا، أن تنتهي بـ”الدعوة إلى تسوية الأزمات القائمة” دون تقديم أي حلول أو رؤية مستقبلية محددة بالزمان والمكان، بل إن الاتفاق الأخير الذي أعلنه السودان بإشراف ورعاية مباشرة من رئيسه عمر البشير لإنهاء الاقتتال الدامي في دولة الجنوب “المصطنعة” سرعان ما انتهى إلى مزيد من المواجهات المسلحة وذلك حتى قبل أن يجفَّ الحبر الذي كُتب به اتفاق المصالحة.. والأمر سيان بالنسبة لأزمات مصر والسودان، أو حتى مصر مع إثيوبيا والصراع حول مياه النيل وسد النهضة، وفي دول أخرى كليبيا التي تحكمها المليشيات، وأزمة الصحراء الغربية المزمنة وقضية المهاجرين الذين يعانون الفقر والجوع والمرض والحروب ويفرون بالآلاف نحو الغرب الذي ساهم في خلق كل تلك التوترات وهو الآن يدفع الثمن عبر قوافل تحاصر سواحله وموانئه بالعشرات.
إفريقيا تحتاج إلى أكثر من قمة لإنهاء الأزمات القائمة، كما أن ارتباط الأنظمة بالغرب الاستعماري وعدم التحرر منه على المستوى الفكري والسياسي والاقتصادي، سيجعل من تلك القمم غير مجدية بدليل أن جميع القادة ورؤساء الحكومات التي اجتمعوا في نواكشوط انتظروا وصول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للقمة من أجل إلقاء خطاب عليهم والمشاركة في اختتام الأشغال وكأنهم بانتظار رئيسهم الذي “يأمر وينهي” في صورة مكررة لما قام به ترامب حين اجتمع بزعماء العرب والمسلمين في قمة الرياض في ماي 2017 وقرأ عليهم لائحة الأوامر والشروط وفرض عليهم المزيد من الجِزيات والضرائب!

مقالات ذات صلة