الرأي

الملقحون ضد التلقيح

عمار يزلي
  • 673
  • 5
ح.م

فكر المؤامرة، صار مع العولمة قاعدة إيديولوجية قائمة على قوائم من لبن وطين: لقد شاهدنا الملايين من الناس حول العالم ينكرون الجائحة أصلا، ويرفضون وضع الأقنعة الواقية، ويرفضون أو يشككون في أصل المرض وفي خطره وفي وجوده أصلا.

هذه التركيبة الفكرية لها أكثر من جذر وأصول نفسية بالأساس، تبدو مع أمزجة أصحابها في شكل مواقف إما سياسية رافضة لكل ما هو “مفروض” من أعلى أو مروّج له في الإعلام الرسمي، ويربطون ذلك في الأخير بالمؤامرة التي تحاك ضد الناس من الجنة والناس: الوضع شبيه ببارانويا جماعية أنتجتها الفوارق الاجتماعية والسياسية في عالم مبني على الطبقية وعلى تنامي قوى الدولة المركزية والعالمية، خاصة مع انتشار العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت عدوى فكر المؤامرة ينتقل بسرعة عبر العالم من خلال هذه الشبكة الاتصالية الموازية للإعلام الكلاسيكي الذي ارتبط تاريخا برجال المال والمصالح والدول، إي بالقوى المهيمنة سياسيا وماليا.

من هذا المنطق، حدث نوع من مرض الشك الشامل في كل ما يأتي من فوق أو ما يقال أو ما يعرض على الناس، حتى أننا نجد هذه القوى التي لا تؤمن بما يقال لها وما يعرض عليها من فكر وثقافة وأخبار وحتى لقاح.. أمرا مسيسا فيه شك وشيء من “إن”..  وأخواتها.. قد تفوق نسبة هؤلاء أحيانا نسبة المقتنعين وهذا حسب الدول والأنظمة وعلاقتها بشعوبها، لكن هذه الشريحة قوية وتقفز نسبتها في تقديرنا هنا على الأقل في بلادنا ما فوق الـ30%.. يضاف إليها جزء من شريحة الأغلبية الصامتة التي تنحاز من حيث التأثير والتأثر بما يقال لها إلى جناح المشككين في الكل.. مما قد يرفع النسبة إلى أزيد من 60%.. في تقديرنا. ينطبق هذا عندنا على الانتخابات.. فمن لم يقتنع بآخر انتخابات.. قد لا يقتنع بكل ما يقال له بعدها بما في ذلك: خذ اللقاح.. ماعدا خذ لك هذه الهدية أو هذا المفتاح..

وعليه، فكوننا مقبلين على تلقيح شبه جماعي يناهز الـ30 مليون جزائري، فإنه ينبغي  التشديد على آليات الاتصال والتواصل والإقناع.. الذي لن يكون سهلا، ثم نشرع في المرحلة الأولى بالانطلاق في حملة تسجيل الرغبات في تلقي اللقاح عبر منصة تسجيل رقمية بموقع وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة الصحة، مثل التسجيل للحج. هكذا سنتعرف أولا على عدد الراغبين في تلقي اللقاح عبر النظام والأولويات التي سطرتها وزارة الصحة، مما يمكننا من تهيئة الظروف الملائمة لذلك ماديا ولوجستيا وبشريا. هذا في المرحلة الأولى تزامنا مع تلقيح الخط الأمامي والذي سيكون في حدود مليون شخص. هذا قد ينتهي مع نهاية فبراير.

في المرحلة الثانية، ومع الحصول على الدفعات الموالية من اللقاحات، أي مع بداية التلقيح الجماعي المكثف، سنكون بحاجة إلى عملية تنظيم قصوى للتلقيح للمسجلين وحتى غير المسجلين خاصة في المناطق النائية، غير أنه في المدن الأكثر كثافة، ولتنظيم ذلك، وحفاظا على التباعد والبروتوكول الصحي، سيكون من الأفضل برمجة ذلك عبر المنصة ومنها تنظيم المواعيد للمسجلين.. وتنظيم حملات تحسيسية في المدارس والجامعات.. خاصة مع الشباب.

المرحلة الثالثة التي ستستغرق مدة أطول قد تصل إلى عام، ستكون عبر “إجبارية طوعية” بربط ملفات معينة كالتوظيف والمسابقات والسفر والزواج وبعض الناقلين والخواص والتجار.. بضرورة تلقي اللقاح.. حفاظا على سلامتهم وسلامة من يتعاملون معهم..

هكذا، وإلا فسيستحيل، مع التشكيك ومرض الرفض، إمكانية تلقيح 30 مليونا.. في ظرف وجيز.

مقالات ذات صلة