-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المهديّ “المنتظر”.. هل يجب انتظاره؟!

سلطان بركاني
  • 1900
  • 0
المهديّ “المنتظر”.. هل يجب انتظاره؟!

ليس في مصادر أهل السنّة الأساسية شيء اسمه “المهديّ المنتظر” بهذا الوصف، لأنّ هذه الأمّة هي أمّة العمل والإعداد وليست أمّة التمنّي والانتظار، ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾، وإنّما وصف المهديّ بأنّه منتظر دلالة على تحقّق ظهوره في آخر الزّمان، لكن بالنّظر إلى أنّ المسلمين في هذا الزّمان قد بلغوا في الذلّ والهوان دركه الأدنى ولم يعد في أيديهم ما يعدّونه ليكون لهم وزن في هذا العالم، خاصّة مع إسناد الأمور إلى حكّام جبريين ليس ضمن اهتماماتهم استعادة مجد الأمّة الضّائع ولا منافسة الأمم الأخرى على قيادة وسيادة العالم؛ بالنّظر إلى هذا الواقع فإنّه لم يبق أمام عامّة المسلمين غير الإعداد الإيمانيّ والعمل الإصلاحيّ الممكن والمتاح، مع انتظار قائد مسدّد ومؤيّد يتقدّم المسلمين على طريق العودة.

التصديق بظهور المهديّ في آخر الزّمان ليس من أركان الإيمان التي يمتحن بها المسلمون ولا من ضروريات العقيدة، فلو عاش مسلم عمره كاملا لم يسمع بالمهديّ فإنّ ذلك لا يضرّه، لكنّ الأحاديث الواردة في شأن المهديّ قد بلغت حدّ التواتر ولا مجال لمن وقف عليها أن ينكرها أو يشكّك فيها، علاوة على أنّ الاعتقاد بظهوره لا يختصّ بالمسلمين وحدهم، فأغلب الأديان والديانات يؤمن أتباعها بمخلّص يظهر في آخر الزّمان.

بالنّسبة للمسلمين، فإنّ من المعلوم لدى المهتمّين بعلم آخر الزّمان أنّ أمارات السّاعة الصّغرى كلّها قد ظهرت، ولم يبق منها غير ظهور المهديّ الذي تدلّ القرائن على أنّه لن يتأخّر لأكثر من نصف من الآن.. يولد المهديّ كما يولد البشر، وينشأ كما ينشؤون. لا أحد يعرف يقينا أنّه المهديّ قبل أن يبايع في الأربعينات من عمره.. تشير الأحاديث إلى أنّ ظهور أمره يبدأ بفتنة تحصل في بلاد الحرمين في إثر موت خليفة واقتتال ثلاثة أمراء من بعده كلّ منهم ابن ملك، فيفرّ رجل من أهل المدينة تنطبق عليه أوصاف المهديّ إلى مكّة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويأتيه جيش من جهة الشّام ليقاتله، فيخسف به بين المدينة ومكّة، فيعرف كثير من المسلمين بأنّ المبايع له هو المهديّ، فيأتيه الأنصار من مناطق شتّى في العالم الإسلاميّ، ويبدأ حروبه في سنوات صعبة وأيام عسيرة، قبل أن يظهر الدجّال لتزيد فتنته الأمر صعوبة، حتّى ينزل عيسى بن مريم -عليه السّلام- ويقتل الدجّال، لتستتبّ بعدها الأمور وتصلح الأحوال ويكثر الخير ويعمّ الرّخاء ويعود للأمّة عزّها وسلطانها.

ذكرت الأحاديث نسب المهديّ واسمه واسم أبيه وأوصافه، فاسمه مثل اسم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- واسم أبيه مثل اسم أبي النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فهو محمّد بن عبد الله أو أحمد بن عبد الله، من نسل الحسن بن عليّ -رضي الله عنهما- من جهة أبيه، ونسل الحسين -رضي الله عنه- من جهة أمّه.. رجل واسع الجبهة، شعره منحسر عن مقدم رأسه، طويل الأنف رقيق أرنبته، متباعد ما بين الحاجبين، أفلج أي أسنانه متباعدة بعض الشيء، ويملك شامة في كتفه.

أمّا وقت مبايعته وظهور أمره فلا يعلمه إلا الله، وقد وردت بعض الآثار التي تتحدّث عن علامات قرب بيعته، منها أثر العائذ: “سيعوذ بمكة عائذ، فيـُقتل، ثم يمكث الناس برهة من دهرهم، ثم يعوذ عائذ آخر، فإن أدركته فلا تغزونه فإنه جيش الخسف”. يظنّ بعض المهتمّين بعلم آخر الزّمان أنّ العائذ الأوّل هو صهر جهيمان محمّد بن عبد الله القحطاني الذي عاذ بالحرم سنة 1400هـ/1979م، وقتل، واستبيح الحرم في فتنته، والعائذ الثاني سيكون هو المهديّ، بعد برهة من فتنة جهيمان، أي في مدّة من الزّمن قد تكون أقلّ من 50 سنة وقد تكون أكثر لكنّها لن تصل إلى قرن والعلم عند الله، ويظلّ هذا مجرّد تقدير، قد يكون صحيحا وقد لا يكون كذلك؛ فقد يكون العائذ الذي يقتل في الحرم لا يزال لم يظهر.

الذي يهمّنا ويؤلمنا في أمر المهديّ أنّ المسلمين هم أوّل من يحاربه بعد مبايعته! يحاربه أكثر حكّام هذا الزّمان بمباركة من بعض المنتسبين إلى العلم الذين يطلبون الدّنيا بعلمهم، ويجرّحه هواة التّجريح ويحذّرون منه ويصفونه بكلّ الأوصاف المنفّرة كما يفعلون مع كلّ المصلحين.

أمر المهديّ لن يكون سهلا واضحا في بدايته، خاصّة إذا استمرّت سيطرة إعلام الدجّال، وخاصّة أنّ هناك من يتحدّث عن جهود حثيثة تبذل بالتعاون مع جهات متربّصة تحمل عقائد إنجيلية، للحيلولة دون ظهور المهديّ ومبايعته.. إنّهم يريدون تكرار ما فعله فرعون الذي اختار الوقوف في وجه القضاء والحيلولة دون ظهور موسى عليه السّلام، حين أمر بقتل كلّ مولود ذكر بعد أن علم أنّ غلاما يولد لبني إسرائيل يكون على يديه زوال ملكه.. لكنّ أمر الله تمّ ﴿وكان أمر الله مفعولا﴾.

هناك سعي حثيث ومتسارع لإشاعة الفساد والفجور حوالي المكان الذي يبايع فيه المهديّ، حتّى لا يجد أنصارا له إن خرج.. الحفلات الراقصة قائمة على قدم وساق، بل حتّى الرموز الماسونية وجدت لها مكانا في بعض الحفلات، ورؤية 2030م يجري فرضها على أرض الواقع، هذه الرؤية التي تتضمّن مشاريع ضخمة أهمّها مشروع نيوم على ضفاف البحر الأحمر الذي يرتكز في أساسه على السياحة ويفتح أبوابه لكلّ الأجناس والأعراق والنّاس بمن فيهم اليهود، ليمارسوا حريتهم الكاملة في الفجور والشّذوذ!

ربّما يتساءل متسائل: لماذا هذه الأماني والظّنون التي قد تصدق وقد لا تصدق، والأمّة تعيش نكبة قلّ نظيرها في تاريخ الأمّة؟ ألا يجدر بنا أن نبحث عن الحلول بدل الانتظار والتعلّق بالأماني؟ والجواب هو: نعم من واجب كلّ واحد منّا أن يقدّم ما في وسعه لترفع الغمّة عن الأمّة، ولكن من واجبنا أيضا أن نكون على وعي كاف بالمشاريع التي تتصارع الآن، خاصّة المشروع الذي يوطّد للمهديّ في مقابل المشروع الذي يهيّئ لخروج الدجّال.

نحن عامّة المسلمين ليس بأيدينا الآن إلا أن نصلح أنفسنا وبيوتنا ونسعى لإصلاح مجتمعنا، أمّا الإعداد لمواجهة قوى الشرّ في هذا العالم فليس بأيدينا.. الأمّة الآن مكبّلة بالأغلال ومحكومة بعلمانية بطالة لا شغل ولا همّ لها إلا إشاعة الشّهوات والمخدّرات بمختلف أنواعها: مخدّرات الأبدان من خمور وحشائش، ومخدّرات العقول من أفكار وآراء وأهواء هدّامة.

من حقّ الغيورين على دينهم من هذه الأمّة والحال هذه أن يتطلّعوا لمن يسخّره الله لرفع ها البلاء العظيم عن هذه الأمّة، من دون تواكل، ومن واجب شباب الأمّة في هذا الزّمان أن يهتمّوا بعلم آخر الزّمان الذي تسعى دوائر المكر لتجعله نسيا منسيا، حتّى لا يكون ذخرُ الأمّة على وعي بما يخطّط له.. هناك هوس وانحراف كبير وقع فيه بعض المفتونين بالتشيع المنحرف في عقيدة المهديّ إلى درجة أنّهم جعلوا الإيمان به أحد أركان الإيمان، وزعموا أنّه ولد سنة 255هـ واختفى سنة 260هـ وهو من يومها مختف حتّى يظهر في آخر الزّمان، وهو الآن يبلغ من عمره 1188 سنة! وانتظاره واجب وقربة من أعظم القربات.. هذا الادّعاء عند العقلاء جميعا أسطورة اخترعها آكلو أموال النّاس بالباطل ليستأثروا بأموال الخمس.. وهناك من المسلمين من يستعجلون الأمر ويتسرّعون في تحديد السّنة التي يظهر فيها أمر المهديّ، وهؤلاء أيضا مخطئون.. لكن في مقابل هؤلاء وأولئك هناك من يريد لشباب الأمّة أن يزهدوا في أحاديث آخر الزّمان وينسوا قضية المهديّ وحتّى فتنة الدجّال، بحجّة أنّ أكثر الأحاديث الواردة في فتن آخر الزّمان ضعيف.. هذا العزوف الذي يجعل شباب الأمّة فريسة سهلة لمن يسعون لخياطة الدّين برانس على مقاسات الملوك والأمراء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!