-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المهلوسات والمخدرات.. معركتُنا المصيريّة

المهلوسات والمخدرات.. معركتُنا المصيريّة

يشعر المواطنون مؤخرا براحة كبيرة تجاه فرض السلطة العامة للدولة على سماسرة القطاع التجاري، من الذين لم يستوعبوا أن الأمور تغيرت عن عهد الفوضى، ولم يعد في مقدور اللوبيات التلاعب بقوت الجزائريين لحسابهم الخاصّ.

عندما وقفت السلطات العمومية بحزم وعزم، عبر أجهزتها الأمنية والقضائية، على ملاحقة عصابات التجارة من المضاربين والمحتكرين، تمكنت من الإطاحة بالمئات منهم في ظرف قياسي، لتنتهي بذلك تلك الأزمات المفتعلة للندرة في بعض المواد واسعة الاستهلاك.

وبعد ما فصلت العدالة بتسليط أقسى وأقصى العقوبات في حق متورطين، أضحى الحليب المدعم والزيت و”الفرينة” والدقيق بأنواعه معروضًا للزبائن أمام أبواب الدكاكين تحت أشعة الشمس، فلا أحد يجرؤ على تخزين ما يطلبه المستهلِك، لأنّ سيف القانون لا يرحم.

ربما ساهمت أسبابٌ تقنية وإدارية أخرى في بروز ظاهرة التذبذب بشكل متكرر في الأشهر الأخيرة، لكن تجار الأزمات يريدون في كل فرصة قذرة، بجشع مادّي، استغلال الوضع الاستثنائي الطارئ لجني الأرباح غير المشروعة، على حساب حقوق المستهلِكين، ولو بالمساس بالاستقرار المجتمعي، والدليل أنّ تدخّل السلطة العامة في الوقت اللازم أعاد الأوضاع المعوجّة إلى نصابها الصحيح، ليقضي على مظاهر ترهّل الإدارات الرقابية في السهر على التزام القوانين المعمول بها في كافة الأنشطة الاقتصادية.

وقبل مداهمات التجار ومطاردات المواد الغذائية، كانت السلطات المختصة قد خاضت معارك أخرى، لا تقلّ ضراوة عن سابقاتها، للإطاحة بعصابات الأحياء والشواطئ والغابات والحطب و”حرّاس” الحظائر غير المرخصة، إذ اختفت الكثير من السلوكيات “المافيويّة” التي استفحلت سابقا في حق السكان والمواطنين والسيّاح وأصحاب المرْكبات في ظل تكبيل الأجهزة المخولة عن أداء مهامها بكل صرامة.

وبهذا الصدد ينبغي الإشادة بالترسانة القانونية التي بادر بها الرئيس عبد المجيد تبون ضمن التزاماته السياسية، بالاستجابة لانشغالات الجزائريين واسترجاع هيبة الدولة ومؤسساتها في كافة المستويات، من خلال سدّ الثغرات التشريعية وتحيين القوانين القديمة وتفعيل الصالح منها، وتجنيد كل الأجهزة العمومية، في مواجهة التحدِّيات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، لأن الكثير منها لا يرتبط بنقص الإمكانات ولا بجهود الدولة في توفير الحاجيات العامّة، بل هي مجرد نتائج تلقائية للتراخي في تطبيق قوانين الجمهورية، وقد أثبتت التجربة بمرور الوقت سلامة المقاربة العلاجيّة، أو على الأقلّ دورها فعّالية في تطويق تلك التجاوزات.

وعلى ضوء ما تحقق حتّى الآن من استعادة لنفوذ الدولة في الفضاء العامّ، فإنّ المعركة المفتوحة أمامها وكل قوى المجتمع، من مؤسسات تعليمية وإعلامية ومسجدية وجمعوية، هي التجنُّد ضدّ آفة المهلوسات والمخدرات وملاحقة شبكاتها الإجراميّة الأخطبوطية، من حدود المغرب غربًا إلى تخوم ليبيا شرقًا، حيث تشكلان المنافذ المحدِقة بالأمن القومي للوطن، عبر تهريب السموم القاتلة والتي يراد بها الفتك الممنهج بعماد المجتمع الجزائري برعاية دول وميليشيات متربِّصة ببلادنا ولم تعد الخطة الجهنمية خفيّة على أحد.

صحيحٌ أنَّ هناك بعض المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي قد تسهِّل عمل تلك الشبكات في الإيقاع بالشباب الضعيف نفسيّا، لكن الوضع لا يبرّر على الإطلاق ما وصلنا إليه من إغراق للمدن بالمهلوسات والمخدرات، خاصة بالمناطق الحدودية، وبالجنوب الشرقي على وجه التحديد، حيث يطمع المجرمون في تحويل الجغرافيا الشاسعة إلى ممرات للعبور نحو الداخل.

إنّ ما تكشفه دوريا حصائل مصالح الدفاع الوطني والأمن والجمارك يثبت أنّ ما تتعرض له بلادُنا ليس مجرد نشاط ربحي لشبكات تسترزق من العمل الإجرامي، بل هو واقعٌ ضمن مخطط دول، وفي مقدِّمتها نظام المخزن وحليفه الصهيوني، لاستنزاف الجزائر في معركة الآفات الاجتماعية وقتل شبابها بالسموم.

كلنا ثقة أن أبطالنا في مختلف الأسلاك الأمنية قادرون، بإشراف الإرادة السياسية العليا والمرافقة المجتمعية، على اجتثاث تلك الشبكات التخريبيّة، باستنفار كل القوى الوطنية في معارك المواجهة المباشرة والوعي والتحسيس، لأن التحدي سيكون شموليًّا.

ما نأمله، بل ما يفرضه واجب الدولة حاليّا لتستكمل إبراز قوتها بصفتها السلطة العامّة، هو جعل المعركة المفتوحة ضد تفشيّ المهلوسات والمخدرات عنوانًا لأولويات المرحلة، لأنّ المنطق لا يتقبل انتشارها في بلد بحجم الجزائر، من حيث القوة المؤسساتيّة والأمنيّة، ولا يعقل القبض على صغار المتعاطين دون الوصول إلى سلسلة الممونين.

نحن ننتظر إعلان الدولة، وهي لم تقصِّر سابقا في ملاحقة الآفة، أنَّ سموم المهلوسات والمخدرات هي الخطر الأول الذي ينخر كيان المجتمع اليوم، وأن الحرب ضدها ستكون بلا هوادة وغير مسبوقة، للتحسيس بضرورة انخراط الجميع في المواجهة المصيريّة، انطلاقًا من الأحياء الشعبية وشوارعِها الصاخبة وأسواقِها إلى الحدود البرية والبحرية والجوية، مرورا بكل الطرق في ربوع الجزائر العميقة.

وإنّا على يقين، إذا تجنَّدنا كرجلٍ واحد، مؤسسات رسمية وشعبية، من ربح الرهان ضدّ العصابة الإقليمية وجيوبها الداخلية، وحتّى لو لم تنقطع تلك الآفات، مثلما هو واقع في كل دول العالم، فإنّنا سنقلصّ آثارها إلى أدنى المستويات على الأقلّ ونحفظ هيبة الدولة أمام الخارجين عن القانون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!